بحث ، خواطر، تأملات، وأفكار اجتماعية وسياسية ودينية
التفكير هو أصل كل فعل. وليست الشجاعة أن تقولَ كلّ ما تعتقد، بل الشجاعة أن تعتقدَ كلَّ ما تقول. ولا تستشر من ليس في بيته دقيق فإنّ عقلَه غائب.
السبت، 2 يوليو 2011
كيف يعمل النظام العالمي المعاصر على «استعباد» الجسد الآدمي
كتاب «الحياة الحية..» يكشف كيفية عمل آليات المجتمعات الاستهلاكية على استبلاد العقل البشري
المعطي قبال
نشعر بالارتباك لما نفقد القدرة على عدم الإجابة بشكل واضح عن السؤال القديم: ماذا حدث لنا؟ إن أصبحنا، على الأقل منذ عشرين عاما الأخيرة، غير قادرين على التكهن
بما يقع في العالم، فلنسجل على الأقل هذه الحقيقة. لكشف حقيقة هذا الارتباك علينا أن نتخلص من اليقينيات القطعية، من التبشير ومن نبوءات نهاية العالم. أمام التغيير يواجه كل منا إغراءين: بلادة الرفض أو سذاجة الانضمام. من البله أن نعانق قناعة ما أو ننخرط في قناعة أو معتقد أو نندد بدون أي تمحيص أو تدقيق نظر. فأقل شيء هو أن نسير خطوة بخطوة، العيون مفتوحة، وتحذونا رغبة فهم «الجديد» بدل رفضه جملة وتفصيلا.
جان- كلود غيلبو أحد الأقلام النقدية النافذة والمتميزة في المشهد الفكري الفرنسي. وجد سبيله المعرفي بعد خوضه عدة معارك في مجال الصحافة والنشر، إذ عمل محققا بصحيفتي «لوموند»، «لونوفيل أوبسيرفاتور»، كما عمل مديرا للنشر بمنشورات «سوي» قبل أن يؤسس دار «آرليا» للنشر. يندرج هذا الكتاب ضمن سلك أطلق عليه اسم « الارتباك الحديث»، الذي توج، ما بين 1995 و2009، بـسبعة مؤلفات. كان الغرض من هذا السلك تفسير التحولات التاريخية والأنثروبولوجية التي يعيشها العصر الحديث. تحيل كلمة ارتباك إلى صعوبتنا في فهم ما يقع في عالم اليوم، في وقت تتسارع الأحداث، حيث يصير من الصعب إلمامنا بمعانيها ودلالتها. وتلك قاعدة تاريخية قديمة. إذ لا يفهم المرء مدى وخطورة التحولات إلا بعد قيامها وبعد استعادتها لاحقا. فالأحداث الكبرى التي بصمت المغامرة البشرية، مثل سقوط الإمبراطورية الرومانية، وظهور عصر النهضة، وانبثاق عصر الأنوار الخ... عاشتها البشرية بنوع من الحيرة، من الارتباك ومن التردد وفي الغالب في أجواء من الخوف.
نشعر بالارتباك لما نفقد القدرة على عدم الإجابة بشكل واضح عن السؤال القديم: ماذا حدث لنا؟ إن أصبحنا، على الأقل منذ عشرين عاما الأخيرة، غير قادرين على التكهن بما يقع في العالم، فلنسجل على الأقل هذه الحقيقة. لكشف حقيقة هذا الارتباك علينا أن نتخلص من اليقينيات القطعية، من التبشير ومن نبوءات نهاية العالم. أمام التغيير يواجه كل منا إغراءين: بلادة الرفض أو سذاجة الانضمام. من البله أن نعانق قناعة ما أو ننخرط في قناعة أو معتقد أو نندد بدون أي تمحيص أو تدقيق نظر. فأقل شيء هو أن نسير خطوة بخطوة، العيون مفتوحة، وتحذونا رغبة فهم «الجديد» بدل رفضه جملة وتفصيلا. في هذه الظروف، إن كان الخوف نصيحة سيئة، فإن الحنين أكثر سوءا، يقول الباحث. قبل أن يضيف: «أحترم المحافظين الذين يتأسفون ويبكون عالما اختفى. أعطف على الأسى الذي يشعرون به، لكن خطاباتهم تبقى مملة لما تتكرر. كما لا أومن بما يسمى بـ«الإصلاحات». حاولت تجنب التشاؤم الاستعراضي والصخب المسرحي. في نظري، أي تحول، سواء كان تكنولوجيا، اقتصاديا، جيو-سياسيا، يحمل في ثناياه وبشكل حميمي الأفضل والأسوأ. أن نتجاوز الارتباك ونسلم بـ«المعرفة السارة»، التي تحدث عنها نيتشه معناه أن نوفر الإمكانيات الكافية للمساهمة في «الفرز» الديمقراطي، لكن دون التخلي عن «مذاق المستقبل» الذي ينظر إليه ماكس فيبر بأنه أحد أشكال الديمقراطية.
يسعى هذا الكتاب مثله مثل الكتب التي تليه أن يكون كفاحي النبرة والمسعى. فبقدر ما تتطور معرفتنا بالأشياء نصبح على نباهة حيال اللامساواة، الجور، والاستبداد المستشري حولنا. وكانت الأزمة البنكية، الاقتصادية والسياسية فيما بعد، التي وقعت في سبتمبر 2008، أحد مظاهر هذا الوضع. كانت هذه الأزمات مهيبة، خصوصا أنها استعملت تيمة «التغيير» وتمت أيضا باسم الحداثة أو «القطيعة». فأولئك الذين هم على رأس هرم القرار والسيادة قدموا وعودا لم تكن في الأخير سوى فتات طاولات. كما صيغت هذه الوعود بناء على بلاغة كاذبة.
الهيمنة كمقولة متغيرة
يبحث العصر عن كلماته منذ ثلاثة عقود بحكم أنه يفتقر إلى المفاهيم التي يمكن أن تعرف به أو على الأقل أن تقدم عنه تعريفا دقيقا. فالحديث عن «الأزمة» أصبح حديثا مبتذلا. وينطبق نفس الشيء على كلمة أخرى سائدة الاستعمال، ألا وهي «القفز» من زمن إلى آخر، من حقبة إلى أخرى. من هنا ضرورة البحث والعثور على العبارة الدقيقة والصحيحة. عرف إليا بريغوجين، الحاصل على جائزة نوبل للكيمياء، «الحداثة الأولى» بكونها «انشعابا كبيرا». فيما تحدث البعض الآخر عن «اللحظة المحورية»، وهي العبارة التي استعملها كارل ياسبرز. أما جان-كلود غيلبو فقد أشار إلى «إعادة تأسيس العالم» أو «بداية العالم». أما العالم الإثنولوجي والسوسيولوجي جورج بالاندييه فتحدث عن «التغيير الكبير». اليوم يلاحظ انتشار مفهوم «التميز» أو الفرادة. على أي، لنترك جانبا المفاهيم التي يلوح بها البعض مثل «الانهيار»، «السقوط»، «الكارثة»، «حرب الحضارات»، «نهاية التاريخ»، «البربرية». من بين جميع الخطابات، يبقى ما يمكن أن نسميه خطاب «القلق والتخوف» الأكثر ثرثرة. فهو يهيج المزيفين ويخدم الديماغوجيين. كما تتوفر حوانيت التخوف على خانة في الإعلام، منها توجه لنا يوميا الدعوة إلى التأسف على الزمن الماضي. لكن أي زمن؟
المؤكد أن البحث المعجمي لم ينته بعد. كما أن المغامرة البشرية قد ولجت اتجاهات غير مألوفة لها شكل إعصار غامض هو اليوم قيد خلخلة تصورنا للواقع. كيف يمكن تعيين هذا الشيء والحديث عنه؟ إن العطب الذي يصيب اللغة أكثر خطورة وجدية مما نتصوره. فالكلمات تخلف انطباعا بأنها متقادمة. معناها الأولي شبيه بالنور الوافد من نجم ميت. فقد الكلام معناه ليؤثر هذا الوضع على مصداقية النقاش. إذ أصبحت المساجلات اليومية مجرد مغالطات، حيث طغى اللغط وأخذ أشكال عتاب ومساءلة من نوع: هل أنت مع أو ضد العلم؟ ما رأيك في الإنترنت؟ هل تفضل النزعة الفردية أم العلاقة الاجتماعية؟ هل يجب الدفاع عن العائلة؟ وفي الوقت الذي يتحارب أصحاب اللغو الفارغ، تنبثق أشكال جديدة من الهيمنة ومن التعديات. وعليه فشلت الحقبة في التعريف بنفسها.
هكذا افتقدنا القدرة على الكلام لتعيين الأسماء بشكل دقيق. وحسب جان-كلود غيلبو، دخلنا مرحلة جديدة من الترحال الشمولي بحكم مواجهتنا لحركية أصبحت المبدأ المنظم. لسنا في مرحلة تتميز بـ»نهاية التاريخ»، بل بذوبان مؤقت لإدراك هذه النهاية. فيما مضى كانت علاقتنا بالعالم قائمة على حكاية تربط الماضي بالمستقبل، التراث بالتحول. لكن انفسخت اليوم هذه الرابطة أو العلاقة. انهارت الأنظمة التي كانت لها تاريخيا قدرة تعبوية. بعد الشيوعية، فشلت الرأسمالية في إنتاج المعنى، بل أكثر من ذلك، فشلت في الرفع من قيمة المستقبل. لم يعد هذا الأخير يعرف كوعد أو أمل، بل كخطر. أكثر من ذلك، يعمل السوق الكبير استنادا على قيم وعلاقات لم يكن هو مبتكرها. يشبه ذلك وارثا لا يزال يعيش على ميراث حضاري هو قيد الانقراض. نخمن وعلى نحو مبهم بأن ثمة اتجاه آخر، نموذجا آخر واختيارا آخر، لكن لا أحد بقادر على تعريف هذا البديل. إن الحظوة التي أصبحت تتمتع بها كلمة «ما-بعد» (ما بعد الحداثة، ما بعد العولمة الخ...)، والغموض الناتج عنها هو علامة من علامات الاختلال السياسي وهو اختلال غير مألوف. يمكن لاستعارة الترحال مرة أخرى، أن تنير سبيلنا. لربما لم نصبح قادرين بعد على تأليف شكل من أشكال الخطاب له قدرة تنظيم علاقتنا بالزمن وبالتاريخ.
سرعة التحرر
إن المفاهيم، التي هي بمثابة طوب للأفكار، والتي تتيح إمكانية «السرد» أصبحت تظهر ميلا إلى الانفلات لما نسعى أو نحاول أن نتمكن منها. فهي تنبني على دلالات مؤقتة، متغيرة، غير يقينية، وممتزجة. حتى الأفكار توجد في وضع ارتحال. من ذا الذي يقدر اليوم على تقديم تعريف صحيح للفرد، للكائن البشري، للوعي، للواقع والمادة؟ لاستعمال عبارة قديمة، فإن جميع المفاهيم، التي تعرف علاقتنا بالعالم، أصبحت مفاهيم مشكوكا
فيها. إن كنا مرتحلين في الفضاء وفي الفكر، فنحن أيضا رحل في الزمن. يتخذ هذا الترحال الزمني عدة مظاهر. أحد هذه المظاهر هي السرعة الإجبارية. إذ أصبحت لهذه السرعة هيمنة كبرى لأنها تفتت الزمن الإنساني. تلك هي الفكرة التي يدافع عنها الفيلسوف الألماني هانز بلومنبيرغ (1920 – 1990) حين يؤكد على المعارضة الواضحة بين «زمن الحياة» و«زمن العالم». فقد تحررت التكنولوجيا مثلها مثل الاقتصاد، والمال، والإعلام من الزمن الإنساني التقليدي بإيقاعه الثقيل. الغريب أن وفرة الخيرات والإنجازات في الأساليب التقنية لم تساعدنا على ربح الزمن، بل على العكس قلصته. والنتيجة، يتقلص الفضاء بمجرد ما يصبح الزمن قصيرا. وقد أوضح نتاج الفيلسوف بول فيريليو هذه المفارقة. إن هذا الفضاء-الزمني هو خارج الإدراك البشري، لما تصبح زمنية العصر شيئا مسيبا.
اتخذ الترحال الفضائي-الزمني أشكالا جديدة، بما فيها الأشكال الجنيالوجية. ولأول مرة في التاريخ تبين أن المغامرة الإنسانية لم تجرب تغييرا بمثل هذه السرعة، مع العلم أن التغيير لم يشمل ولم يمس بنفس الكيفية جميع البلدان والشعوب. إذ أن النوع البشري اتخذ شكل مسيرة مختلطة لزمنيات متباينة. إذ لم يعد يتعايش رجال ونساء، بفارق عشرين أو ثلاثين سنة، وكفوا عن أن يصبحوا «متعاصرين». تواجدت بالكاد عبر التاريخ مستويات متباينة من النماء، لكنها لم تكن بشكل عنيف كما هي عليه اليوم. انبثقت فجوة في مبدأ الإنسية تسربت إليها أنظمة جديدة من اللامساواة والهيمنة. يصعب انتقادها ومحاربتها بسبب أنها تتقدم مقنعة الوجه وبنيات حسنة. هذه الأنظمة هي أول من يستفيد من الإنهاك الذي أصاب اللغة ومن الخلل الذي لحق بزمنية التاريخ. أما المظاهر الجديدة للهيمنة فيترجمها انعدام الكلمات والمفاهيم. كما أن إحدى نتائج اختلالات الفكر النقدي هي فقدان المجتمعات حسها السياسي.
أنظمة الإعلام الجديدة كوسيلة للهيمنة
في خضم هذا الغموض العارم، يبدو مفهوم الهيمنة ذا فائدة ناجعة. كانت جوديث بيتلير وكاترين مالابو أول من استعمل هذا المفهوم في الكتاب المشترك الذي جمع بينهما في عنوان: «كن جسدي». وهي قراءة معاصرة للهيمنة والاستعباد في نتاج الفيلسوف هيغل. ويستلهم جان-كلود غيلبو روح هذا المفهوم ليطبقه على ميادين يعتبرها خاضعة لمبدأ المحاكاة والهيمنة، أي أن عددا من الابتكارات التكنو-علمية، يمكن أن نؤولها تبعا لمفاهيم الهيمنة والاستعباد. فغالبا ما نواجه أجهزة، بل أنظمة يصعب التحكم فيها، وهي أجهزة تخلط بشكل غامض بين الوعود والتهديدات. كما أنه من الصعب التحكم في الأيديولوجية التي تقوم عليها. بهذا الشكل أصبح الاقتصاد العالمي «نظاما». أما الجهاز الإعلامي الكوني، الذي حل محل الصحافة القديمة، فهو أيضا نظام يقودنا إلى الحديث عن «النظام الإعلامي الجديد». تطرح هذه الأنظمة نفس المشاكل والصعوبات على المواطنة الديمقراطية. كيف يمكن التمييز بين الإيجابيات التي تقدمها وأشكال الهيمنة التي تفرضها؟ تتجلى الصعوبة الأخرى في كون هذه الأنظمة غير مستقرة في مكان محدد، بل موجودة دائما خارج الحدود، لذا يصعب على الشعوب التحكم فيها. كما أنه لا حول للأنظمة الديمقراطية أمام زحفها القوي. إن السلطة الكبرى التي انبثقت في العالم، سلطة الأنظمة، لا تشبه أي سلطة عرفها التاريخ البشري. تحيل هذه السلطة على بعض الأشكال الحديثة للكارثة: كارثة تشيرنوبيل، انتشار الأوبئة أو الاختلالات المالية التي أصابت عدواها وبشكل صاعق جميع القارات. مثل هذه السلطة تبطل مفعول العمل الجماعي التقليدي. كما أنها تنزع قيمة المنجزات التي حققها الفكر النقدي.
إن «الحياة الحية» التي يدافع عنها جان-كلود غيلبو هي تلك الحياة التي لا تخضع لحسابات الحواسيب ولهيمنة «الخبراء» الذين يكرهون الجسد. أولئك الذين يسعون إلى تحريرنا من لحم الجسد ومن الواقع. على النقيض من ذلك، نجد أن الجسد في أرض الإسلام مثلا حظي باهتمام واحتفاء الفلاسفة والشعراء. وفي هذا المضمار يذكر جان-كلود غيلبو بالتفاتة نيتشه، الذي كان يكره «الحشمة المسيحية»، مشددا على تقديس الجسد لدى المسلمين. في مقطع من كتابه «ما قبل المسيح» (مقطع 59)، يشيد نيتشه «بعظمة الحضارة العربية في إسبانيا التي تخاطب حواسنا وأذواقنا أكثر ما خاطبته روما (الكاثوليكية) أو آثينا (الفلسفية). لكن هذه الحضارة تم دعسها بالأرجل، لا لشيء إلا لأنها قالت نعم للحياة...». لذا فإن الحياة الحية، لا الحياة الرقمية أو الالكترونية، رهان مستقبلي علينا إنجازه بكل السبل
الاثنين، 13 يونيو 2011
ثورة النيل.. بين عتمة الاستبداد وتساؤلات المستقبل
كتاب «مصر التحرير» يعيد تركيب مسار الثورة المصرية التي أطاحت بمبارك
18 يوما كانت كافية للإطاحة بفرعون وعائلته. 18 يوما من المظاهرات ووقفات الاحتجاج والمواجهات مع قوات البوليس، بمن فيها «شرطة الجمال» و«البلطجية» التي دخلت على الخط.
ابتداء من عينات تمثيلية لمختلف الشرائح المصرية، يصف الصحفيان غيبال وصالاون الوضع العام للبلد الذي دخل منذ 25 يناير في المسلسل الحتمي للتغيير. كان يوم 25 يناير إذن «يوم الغضب»، وهو يوم العيد الوطني للشرطة. في ذلك اليوم استفاقت مصر من التعب، مرهقة بالإحباطات.
في مقاربتهم لثورات الربيع العربي، أكد المراقبون السياسيون والمتخصصون في الشأن السياسي على عنصر المفاجأة كمقياس حاسم في هذه الثورات. فمن ذا الذي تنبأ أو كان يتوقع أن ينتفض المواطنون، حتى لا نقول الجماهير، تلافيا للحمولة الماركسية للكلمة، في وجه أنظمة حسبت أنها أزلية؟ لذا، فإن المفاجأة هنا خلخلت أيضا ليس فحسب الأنظمة، بل التصورات العقلانية في مسألة زمن الثورات، اندلاعها، تحققها أو فشلها. وبما أن الانقلابات لم تعد موضة، فإننا اليوم أمام «براديغم» جديد هو المفاجأة بصفتها نموذجا جديدا وغير مألوف، حتى إن عقد البعض قرابة بينه وبين الثورة الفرنسية لعام 1789 أو مع انتفاضات وقعت في أمكنة أخرى من العالم. المهم أن حقل التأويل والبحث في الميكانيزمات الداخلية مفتوح على سلسلة من الأسئلة والقضايا مثل: هل ما يعيشه الوطن العربي تحت تسمية «الربيع العربي» يعد ثورة؟ أم انتفاضة؟ أم تمردا؟ أم كل هذه الأحداث؟ هل زمن الثورة في تونس ومصر، وفي الخليج والمغرب العربي هو نفس الزمن؟ لماذا نجحت الثورة في تونس ومصر وتعثرت في البحرين أو في الجزائر؟ على أي، ثمة تزاوج بين الثورتين التونسية والمصرية في أكثر من نقطة. كانت تونس سباقة إلى الإطاحة بالطاغية زين العابدين بن علي. تلتها مصر لتنهل من دروسها وتبتكر في نفس الوقت أساليب جديدة للمقاومة انتهت برحيل فرعون. لكن إن تخلصت تونس ومصر من الطاغيتين فإنهما لم تتخلصا بعد من بقايا نظامهما. فلا زالت جيوب المقاومة تنشط في السر لإعاقة التغييرات. من بين الدراسات والكتب الفورية الصادرة عن ثورات الربيع العربي، هناك البحث السياسي الذي ينكب على التكوينات الداخلية والعوامل المسببة لاندلاع هذا الحدث، وهناك التحقيق الصحافي الذي رافق المعيش اليومي للمواطنين، وبالأخص الشباب الذين يبقون الفاعلين الرئيسيين في مسلسل الاعتصام، النضال، والاحتجاج. وللحقيقة، لعب بعض هؤلاء الصحافيين دور الناقل الحي والأمين، بل المساند أحيانا. في هذا الكتاب، آلف كل من كلود غيبال وطنجي صالاون جهودهما لإنجاز هذا التحقيق الحي، الذي يقربنا من مسلسل الأحداث التي عاشتها مصر والتي قادت إلى رحيل فرعون.
كلود غيبال (37 سنة)، مراسلة صحيفة «ليبراسيون» و«فرانس أنفو» منذ عام 2000 بالقاهرة، هي إحدى الصحفيات اللائي يعرفن من الداخل مصر، حيث تقرب تحقيقاتها المكتوبة أو المسموعة القارئ والمستمع من دواخل مصر، وجوانبها المتشابكة والثرية. طنجي صالاون (38 سنة)، مراسل «لوفيغارو» و«رتي إيل» بالقاهرة.
18 يوما كانت كافية للإطاحة بفرعون وعائلته. 18 يوما من المظاهرات ووقفات الاحتجاج والمواجهات مع قوات البوليس، بمن فيها «شرطة الجمال» و«البلطجية» التي دخلت على الخط. ابتداء من عينات تمثيلية لمختلف الشرائح المصرية، يصف الصحفيان الوضع العام للبلد الذي دخل منذ 25 يناير في المسلسل الحتمي للتغيير. كان يوم 25 يناير إذن «يوم الغضب»، وهو يوم العيد الوطني للشرطة. في ذلك اليوم استفاقت مصر من التعب، مرهقة بالإحباطات، والكل يتذكر الفعلة الشنيعة للشرطة قبل ثمانية أشهر، وتحديدا بمدينة الإسكندرية، حيث قتل شاب على يد الشرطة المدنية. هشموا رأسه عند مدخل العمارة التي يسكن بها. اسمه خالد سعيد. بعد أيام قليلة على اغتياله البشع، طافت صورة وجهه المتورم بالكدمات على الإنترنت، خلفت استياء كبيرا لما نشرت على أعمدة بعض الصحف الوطنية. كيف الاحتفال إذن بالعيد الوطني للشرطة في ظرفية يستنكر فيها المجتمع المدني نظاما أمنيا يسيره رجل يتربع على رأس السلطة منذ قرابة 30 عاما؟ في هذا اليوم من الخامس والعشرين من يناير دعا الفاعلون في المجتمع المدني إلى التظاهر، مع العلم بأن موجة الغضب بدأت في التصاعد قبل أيام، تحديدا منذ 17 من ديسمبر، اليوم الذي أحرق فيه محمد البوعزيزي نفسه، والتي كانت إيذانا بثورة الياسمين التي أطاحت بالطاغية بن علي.
شاهد وتابع المصريون باندهاش بالغ «حمى الحرية»، التي تمكنت من تونس. وفي الوقت الذي هرب الطاغية بن علي في اتجاه العربية السعودية، مست العدوى بلاد النيل. احتذاء بمحمد البوعزيزي، أحرق أربعة أشخاص أنفسهم في مصر، على الرغم من الفتاوى الصادرة عن بعض الأئمة بإيعاز من النظام. في السادس من أبريل، أطلقت مجموعة من الشباب على موقع الـ«فايسبوك» نداء إلى المواطنين لدعوتهم إلى التظاهر. التحقت بهم مجموعة من المعارضة، بعضها شرعي والبعض الآخر سري، مثل حركة «كفاية» التي كانت أولى حركة دعت، منذ 2004، إلى رحيل الرئيس مبارك، أو حركة الإخوان المسلمين. في 25 من يناير عند منتصف النهار، أمام جامعة القاهرة، جاب رجال من أمن الدولة المنطقة لطرح أسئلة على الصحافيين الأجانب، ولإرهاب الحضور. من بين الأسئلة التي كانوا يطرحونها على الصحافيين: «من أين تستقون الأخبار؟ من الإنترنت طبعا؟». في شارع رمسيس بوسط المدينة بالقرب من نقابة المحامين تجمعت مجموعة صغيرة. فجأة اتقدت عينا رجل ليخرج بعد دقائق من تحت معطفه لافتة كتب عليها «مبارك ديكاج». بعد ذلك بدأ الحضور يتكاثر. نفس الشيء تم في السويس، في الإسكندرية، في أسوان، وأسيوط. في ميدان التحرير بقلب القاهرة تجمع قرابة 15 ألفا إلى 20 ألف شخص يحيطهم حزام أمني. وبدأت الهتافات «مبارك، السعودية ليست بعيدة». لم تعرف القاهرة مظاهرات من هذا القبيل منذ سنة 2003 لما خرج المتظاهرون للتنديد بحرب العراق. تشكل المتظاهرون من خليط من جميع الشرائح الاجتماعية: أساتذة، أمهات، إسلاميون، طلبة». كلهم مجازون. ثم ما لبثت أن تدخلت خراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين، تبعتها القنابل المسيلة للدموع، لكن المتظاهرين لم يتأثروا بهذه الأساليب القمعية. لم تألف مصر، التي عاشت لمدة قرابة 30 عاما تحت قانون الطوارئ، مثل هذه المشاهد. وبقيت محاولات البوليس لإغلاق المنافذ المؤدية إلى الشوارع الكبرى من دون نتيجة. في هذه الظرفية أظهر وزير الداخلية، حبيب العدلي، وجهه القمعي من خلال تهديداته المتكررة. وجاء قطع خطوط الهاتف في هذا السياق بهدف خنق أي إمكانيات للتواصل عبر الإنترنت والـ«فايسبوك» والـ«تويتر». ولـ«تهدئة» الوضع قام النظام بسلسلة إجراءات، منها تخفيض أثمنة المواد الأساسية، خلق فرص الشغل لأصحاب الديبلومات، منح تعويضات للموظفين. غير أن الحيلة لم تنطل على المتظاهرين، الذين تابعوا تحت سيول من الغازات المسيلة للدموع، التظاهر لإسقاط النظام. في هذا اليوم كانت الحصيلة أربعة قتلى ومائة من الجرحى.
وتلاحقت الأحداث منذ ذاك اليوم الحاسم، حيث صعد النظام خطط القمع، بنشره «البلطجية» عند أبواب الميترو، للتحقق من هويات «المشتبه فيهم» أو لتكسير المظاهرات. وعلى بعد 100 كلم من شرق القاهرة كانت السويس تبكي موتاها. كما وقعت اصطدامات عنيفة خلال تشييع جنازات متوفين قضوا حتفهم تحت رصاص البوليس، ومنع الصحافيون من الوصول إلى المدن، التي كانت ميدانا للأحداث. وفي المساء، قطع النظام حبل الـ«تويتر».
حفل وداع مبارك
في السابع والعشرين من يناير، وكان يوم جمعة، على الساعة الثانية عشرة وصلت رسالة عبر الـ«فايسبوك». الموضوع تنظيم حفل وداع لحسني مبارك.. وقد وضع آلاف الـ«فايسبوكيين» علامة على كلمة «احضر»، بمعنى أن الرسالة دعت المتظاهرين إلى التجمع لتناول فنجان على نخب رحيل الطاغية فرعون. في ساحة الجيزة، تعالت أصوات المؤذنين لدعوة المؤمنين إلى الصلاة. وفي الساحة تواجد رجال الأمن المركزي بأعداد غفيرة. تقدم محمد البرادعي محاطا بحراس شخصيين، ولما عرضت عليه الميكروفونات للإدلاء بكلمة حافظ على صمته، فقد عقد العديد من المصريين على الرجل آمالا كبيرة، لكن غيابه المستمر خارج مصر لم يعزز شعبيته. على أي، كان الجو مشحونا وينبئ بمفاجآت عديدة. اكتظت الساحة بالمتظاهرين، وما أن انتهت الصلاة حتى تهاطلت القنابل المسيلة للدموع وتدخلت خراطيم المياه. لكن المتظاهرين خرجوا من كل الفجاج، نساء وأطفالا...، فيما التهبت المدينة بكاملها. عرفت المدن الأخرى نفس الانتفاضة: الإسكندرية، السويس، أسوان، المنصورة... وبنفس الشراسة تدخلت قوات الأمن لقمع المتظاهرين. في القاهرة على الجسور، وقبل الوصول إلى ميدان التحرير، وضعت الشرطة الحواجز في وجه المتظاهرين، كما أطلقت عليهم النار بعيارات بلاستيكية ثم بالرصاص الحي. في المنازل، أمام شاشات التلفزيون، حذر إعلان من وشك فرض حظر التجول بين السادسة مساء والسابعة صباحا. وعند منتصف الليل، وبعد ست ساعات من الانتظار، أطل حسني مبارك على الشاشة لأول مرة منذ اندلاع الأحداث، شاحب الوجه، منفصلا تماما عن الواقع، وتكلم ليعلن عن استقالة الحكومة. ومباشرة بعد الخطاب، وصلت مبارك مكالمة هاتفية من باراك أوباما دعاه فيها إلى الوفاء بالتزاماته على مستوى الإصلاح الديمقراطي، الاقتصادي والسياسي. في الخارج، كانت القاهرة تعيش التهابا وحريقا، كما لم تعشه منذ حريق عام 1956. سرى الحديث عن عشرات القتلى، بل أكثر.
مسيرة المليون
جاءت مسيرة المليون في الفاتح من فبراير. الرجال على اليمين، والنساء على الشمال. اعتلى بعض من الجنود دباباتهم ليدخنوا سجائرهم ويراقبوا الحشود الوافدة من كل أنحاء البلاد والمتجهة إلى ميدان التحرير. اللافتات والشعارات تنادي جميعها: «ارحل». وفيما أعلن التلفزيون الرسمي عن تواجد 5000 متظاهر، أشارت قناة «الجزيرة» إلى مليونين. كما أكد التلفزيون الرسمي على أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مؤامرة، وأن شباب ميدان التحرير ليسوا سوى عصابة من الحشاشين يعملون لصالح إسرائيل وإيران. أما فيما يخص الصحافيين الأجانب، فقد حجز النظام الكاميرات بمجرد وصول هؤلاء إلى المطار. أما وزير الإعلام فقد اختفى
بالمرة.
مستقبل مصر لازال غامضا
في هذا اليوم، شعر المصريون باستعادتهم كرامتهم. لما ظهر مبارك مرة ثانية، على الشاشة، بشعره المصبوغ بالأسود الغامق، ووجهه الشاحب، خاطب المصريين ليقول لهم إنه لن يترشح لولاية سادسة كان مقررا إجراؤها في شهر سبتمبر، وبأنه سيقضي الأشهر الأخيرة من ولايته لضمان انتقال سلمي للسلط. ولبضعة أيام نجح مبارك في استمالة مشاعر بعض المصريين الذين خرجوا لتنظيم مظاهرات مضادة لصالح النظام، لكن في هذا اليوم من الجمعة 11 فبراير، بعد 18 يوما من الاحتجاجات والمواجهات الدامية، أعلن نائب «الريس» عمر سليمان بأن حسني مبارك تخلى عن رئاسة الجمهورية. ألقى خطابا لم يدم سوى 30 ثانية انتقلت فيه مصر إلى حقبة جديدة من تاريخها.
بعد رحيل مبارك لا يزال الوضع غير واضح. أغلبية المؤسسات السياسية معلقة، ولا يزال حظر التجول، وإن كان جزئيا، ساري المفعول. أما على المستوى الاقتصادي، فإن الوضع جد متعثر: المواقع السياحية فارغة. كما انعكست الإضرابات على دينامية العديد من المؤسسات الاقتصادية. كما أن المستثمرين الأجانب يراهنون على المدى البعيد، وليس القريب أو المتوسط، على الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. أما السلطات فتنتظر أن لا يتجاوز معدل النمو لهذه السنة 3 بالمائة في نهاية العام المالي الحالي، في الوقت الذي يشير الخبراء إلى أن الاقتصاد المصري إن بلغ معدلا دون 6 بالمائة فإنه غير قادر على توفير فرص للشغل. أما البطالة فقد سجلت في أوساط الشباب من حاملي الدبلومات معدلات خيالية. غير أن المشهد ليس قاتما بالكامل، إذ حافظ التضخم على نفس النسبة، أي 10 بالمائة. كما أن الأسعار لم ترتفع كما كان متوقعا. أما الجنيه المصري فلم يصب بالانهيار. لكن بالرغم من هذه النقاط الإيجابية التي هي مدعاة للتفاؤل، فإن المواطن المصري قلق على مستقبله.
المعطي قبال
الأربعاء، 8 يونيو 2011
معمر القذافي.. الطاغية الذي فضحه ربيع الديمقراطية العربي
كتاب «تشريح للطاغية معمر القذافي» يسلط الضوء على دموية النظام الليبي
إن انبثاق علم اجتماعي وسياسي ليبي بمواصفات علمية دقيقة يتطلب جيلا جديدا من الباحثين كما هو رهين بعامل الزمن. في انتظار ذلك، غيرت الحرب نظرة العالم إلى البلد،
مسلطة المزيد من الأضواء على جنون عظمة معمر القذافي. وفي هذا السياق، يوفر القذافي للكتاب والروائيين كشخصية مادة روائية خصبة لأنه تتوفر فيه جميع التوابل التراجيكوميدية: الدم، البارود، الهزل. وهذا هو العمل الذي أنجزه الكاتب اللبناني ألكسندر النجار، في مؤلفه «تشريح للطاغية معمر القذافي»، الذي صدر هذا الأسبوع عن منشورات «أكت سود» في 248 ص. وقد سبق للروائي أن نشر روايات تاريخية. كما يعمل محاميا ويشرف في نفس الوقت على الملحق الأدبي لجريدة «لوريان لوجور».
مع انتفاضات الربيع العربي اكتشف المواطن العربي أن بعضا من الطغاة العرب حيوانات مرضى بشتى أنواع الآفات. منهم من هو مصاب بمرض القلب، ومنهم من يعاني من داء السكري، أو من «خنزير» الحلقوم، أو من جهاز التبول، أو من داء الكبد. ولنا في أمثلة عبد العزيز بوتفليقة، حسني مبارك، زين العابدين بن علي، وغيرهم أمثلة حية على ذلك. لكن المرض النفسي (من جنون العظمة إلى انفصام الشخصية إلى الهذيان بمؤامرات يحيكها الأعداء في الظل)، يبقى القاسم المشترك الذي يوحد بينهم. وهم «يتحلون» بالعنف والعصبية، وبالميلانخوليا والتسلط. ويتصدر العقيد معمر القذافي رأس القائمة، التي تضم بشار الأسد، وعلي عبد الله صالح. إنهم رؤساء مصابون بالصرع ويستحقون أن يقفل عليهم في مارستان من نجمة واحدة!
بالرغم من تراثها الثري، ومن ثروتها الاقتصادية والبشرية، لم يعرف عن ليبيا إلا ما سربته عنها الدلائل السياحية أو المجلات الجامعية المتخصصة في الآثار، كبلد يزخر بثروة أركيولوجية لم تسبر أغوارها بعد، أو ما سربه عنها الرئيس القذافي في خطبه السوريالية أمام الوفود الزائرة عن بلد لا هو بالاشتراكي ولا هو بالرأسمالي، بل «جماهيرية زنكزنكية»! وبذلك حجب القذافي التاريخ العميق والأصيل للبلد بصفته تاريخا يقوم على التعدد الإثني والديني بسجنه لهذا التاريخ في المنظومة العشائرية. مع المواجهة أو الحرب الدائرة الآن، التي دخلت 90 يوميا، نلمس عن كثب استقواء هذه النزعة القبلية والعشائرية، وهو تشرذم لم يدرك مغزاه جيدا أولئك الذين يحاولون إركاع النظام في طرابلس.
لقد حجب النظام كل سبل البحث العلمي (السوسيولوجي، التاريخي، الأنثروبولوجي) عن البلد. فيما موّل القذافي بسخاء طائي مناظرات، ندوات، مؤتمرات عالمية، تناظرت، على نحو فولكلوري، حول الكتاب الأخضر أو حول مفهوم الجماهيرية وغيرهما من الأطروحات الإيكزوتيكية وكأن أي تاريخ سابق أو لاحق للجماهيرية يدخل في خانة العصر الجاهلي.
إن انبثاق علم اجتماعي وسياسي ليبي بمواصفات علمية دقيقة يتطلب جيلا جديدا من الباحثين كما هو رهين بعامل الزمن. في انتظار ذلك، غيرت الحرب نظرة العالم إلى البلد، مسلطة المزيد من الأضواء على جنون عظمة معمر القذافي. وفي هذا السياق، يوفر القذافي للكتاب والروائيين كشخصية مادة روائية خصبة لأنه تتوفر فيه جميع التوابل التراجيكوميدية: الدم، البارود، الهزل. وهذا هو العمل الذي أنجزه الكاتب اللبناني ألكسندر النجار، في مؤلفه «تشريح للطاغية معمر القذافي»، الذي صدر هذا الأسبوع عن منشورات «أكت سود» في 248 ص. وقد سبق للروائي أن نشر روايات تاريخية. كما يعمل محاميا ويشرف في نفس الوقت على الملحق الأدبي لجريدة «لوريان لوجور».
يرى الكاتب اللبناني أن معمر القذافي يتصدر قائمة الديكتاتوريين سفاكي الدماء. اشترى صمت الديمقراطيات الغربية لمدة 40 عاما من حكمه عن طريق النفط وتسلية الجميع بلباسه الفلكلوري، وخيامه التي ينصبها أينما حل، وأبنائه المنحطين، وأفكاره البهلوانية التي تهدف إلى حجب الجرائم التي اقترفها في حق شعبه. في البداية، لم تكن شخصية القذافي، التي تذكرنا برواية ماريو فارغاس يوسا «عيد العتنون» أو رواية غابريال غارسيا ماركيز «خريف البطريرك»، كما هي عليه اليوم. في إحدى المقابلات التي أنجزها صحافي من التلفزيون الفرنسي مع معمر القذافي غداة «الثورة البيضاء»، بدت على محيا القذافي علامات الخجل. في سنة 1969، كان القذافي ملازما أول يلبس بزة عادية من دون ميداليات عسكرية، يبتسم، بل يضحك بسخاء، بدل الإجابة عن أسئلة الصحافي. كان بمنأى عن البهلوان السفاك الذي أصبحه سنوات فيما بعد.
الربيع العربي
يلاحظ ألكسندر النجار أن «الربيع العربي» بنوع ما امتداد لربيع بيروت لعام 2005، الذي يعتبر إنجازا شبابيا. إذ ساعد على انبثاق خيار ديمقراطي ثالث يتجاوز خيار الديكتاتورية والتطرف. حين بلغت موجة الثورة التخوم الليبية، انكب الكاتب على دراسة مسار و«نتاج» الطاغية القذافي، بغية نزع الهالة عن أسطورة حاكم أصبح لطخة في التاريخ الحديث.
وبعد أن استعرض الكاتب جغرافية ليبيا وتاريخها، انتقل إلى مقاربة مسار معمر القذافي، الذي رأى النور في خيمة ببلدة سيرت عام 1942. فهو أصغر فتى لعائلة من البدو تنتمي إلى قبيلة لقذاذفة. لعب هذا الانتماء القبلي دورا حاسما في تكوينه «الثوري». وفي هذا الباب يقول : «إن القبيلة مدرسة اجتماعية يستوعب أعضاؤها منذ الصغر المثل العليا التي تمنح الفرد سلوكا اجتماعيا يتحلى به مدى الحياة». لكن يبدو أن القذافي لم يستوعب سوى المغزى الضيق للقبلية كرديف لـ«أخذ الثأر». كان والده محمد عبد السلام حامد، الملقب بأبي منيار، راعيا للأغنام والإبل. بقي القذافي وفيا لمدينة سيرت التي جعل منها فيما بعد ملتقى للطرق بين الشرق والغرب، ومركزا يحتضن العديد من الإدارات وتعقد به المؤتمرات والمناظرات الدولية.
وهو طفل، «ورث» معمر القذافي «مهنة» رعي الأغنام عن والده. ويشير إلى أن ليبيا في تلك الفترة (الحرب العالمية الثانية) كانت مسرحا لحرب ضروس بين القوى العظمى. وقد عاين قصف الطائرات والمدافع. في أحد أسفاره للفزان، التقى والد القذافي أحد الفقهاء الذي قبل تعليمه تعاليم الكتاب والسنة. وكان لهذه التربية دور حاسم في مستقبله. في سن التاسعة، التحق القذافي بالمدرسة الابتدائية لمدينة سيرت، واختار مسجد المدينة سكنا له. ومرة في الأسبوع كان يقطع مسافة 30 كلم للالتحاق بعائلته مشيا على الأقدام. بين أصدقاء الصف، أظهر القذافي نوعا من السلطة، وقد التحق في سن الرابعة عشرة بمدرسة سبها الإعدادية. ونظرا لولعه بالسياسة كان معجبا بالجنرال ديغول، الماريشال تيتو، ماو تسي دونغ، كما كان يتابع الأخبار على إذاعة القاهرة، موزعا المنشورات التي تتحدث عن جمال عبد الناصر، الذي كان أحد مثله السياسية العليا. بعد فسخ معاهدة الوحدة بين سوريا ومصر، خرج معمر القذافي على رأس مظاهرة تأييد لعبد الناصر، وقد ألقي عليه القبض رفقة 20 من رفاقه، ليطرد فيما بعد من مدرسة الفزان. تابع دراسته فيما بعد بمدينة مصراتة، والتحق سنة 1963 بالأكاديمية العسكرية لمدينة بنغازي حيث استنسخ تنظيم الضباط الأحرار، بإنشائه مجموعة ثورية سرية (حركة الضباط الوحدويين الأحرار). كان الهدف منها هو قلب الملكية وطرد القوات الأجنبية من البلاد. وبعد حصوله على الدبلوم سنة 1965 أرسل القذافي إلى المملكة المتحدة لمتابعة تدريب بالمدرسة الملكية ببلانفورد، وبعد ثلاثة أشهر من التدريب التحق بليبيا ليعمل بقسم المواصلات.
الانقلاب
في مساء 31 من غشت 1969 أطيح بالملك إدريس الثاني، الذي كان في رحلة نقاهة باليونان. وبعد الانقلاب، تضاربت الروايات حول القذافي: ثمة من يقول إنه كان على رأس الكومندو، الذي احتل بناية الإذاعة، فيما جاء في رواية أخرى بأنه بقي متمددا على سريره يستمع للنشيد العسكري، وبأن القذافي بنا أسطورته على الأكاذيب. لكن القائد الذي لم يتجاوز 27 من عمره أصبح بسرعة رجل الثورة القوي. اقترح القذافي اشتراكية الدولة ليؤمم أهم القطاعات الصناعية، وخاصة قطاع البترول والنفط و51 في المائة من البنوك الأجنبية. كما رفع أثمنة البترول وسن سياسة تقوم على مضاعفة الأجور، وتعريب الإدارة، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية، وإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية. كما طرد عام 1970 الرعايا الإيطاليين المقيمين في ليبيا، الذين كان يقدر عددهم باثني عشر ألف مواطن.
انتظمت الخطوط العريضة لسياسة النظام على التوجه القومي، معاداة الغرب، التبرم من الولاء للاتحاد السوفياتي. كما رفع القذافي لواء الجمهوريات العربية المتحدة بتقربه من مصر وسوريا. لكن هذا الحلم كان مجرد هلوسة، إذ ما لبث أن تشاجر مع حلفائه، وخاصة أنور السادات، بسبب توقيع الرئيس المصري على معاهدة كامب ديفيد. أما أنور السادات فشجع رونالد ريغان على تخليص المنطقة من «مجنون» ليبيا! وقد رأى القذافي في اغتيال السادات عقابا له. وهكذا لم يستثن أحدا من ملوك ورؤساء الدول العربية من الشتائم. من جهة الغرب، فتحت فرنسا في خريف 1969 ذراعيها للكولونيل، الذي كان يرغب في تعزيز ترسانته العسكرية. وهكذا أجريت بين البلدين مفاوضات سرية، في الوقت الذي كانت ليبيا لا تزال تحت حظر بيع الأسلحة. وقد سربت إسرائيل خبر هذه المفاوضات، مما دفع حكومة جاك-شابان ديلماس إلى التعجيل بالإعلان عن «صفقة القرن» بين البلدين، والقاضية ببيع 110 طائرات من نوع ميراج، علاوة على طائرات هيلكوبتر، وصواريخ جو-أرض، وقنابل من نوع ماترا، ورادارات بحرية.
لكن هذه السياسة القاضية بتعزيز القوة العسكرية الليبية وبناء جمهوريات موحدة، لم تخف الصراعات داخل مجلس الثورة، التي قادت رفاق درب العقيد في أكثر من مناسبة إلى محاولة الإطاحة به. في سنة 1975، حاول 13 من الضباط الوحدويين الأحرار و4 ضباط من المجلس الثوري الإطاحة بالعقيد بسبب استفراده بالحكم، وهيمنته على القرار، وغياب الحوار داخل المجلس... وكان جواب العقيد إدخاله مادة تبيح إعدام العناصر المشاغبة، الشيء الذي دفع بالعديد من رفاق السلاح أو من المعارضين إلى مغادرة البلاد. اتخذ القذافي هذا القرار خلال الزيارة الرسمية التي قام بها إلى ليبيا الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر مغادرة الكولونيل الحكم، أعلن عن قيام الجماهيرية محل الجمهورية.
تسريح وجه العقيد
لم يتردد العقيد مثله مثل سيلفيو بيرلسكوني في الاستعانة بالجراحة التجميلية أو التشويهية. وحسب ما جاء في تسريبات «ويكيليكس»، فغالبا ما لجأ العقيد إلى استعمال الـ«بوطوكس» لمحو تجاعيده، الشيء الذي يفسر العضلات الجامدة لفكيه ولوجهه المنتفخ. كما أنه قام بعملية زرع للشعر. في مارس 2011، أفشى جراح برازيلي بأنه أجرى للعقيد عملية جراحية ليعيد له شبابه. وفي مقابلة خص بها أسبوعية «إيبوكا» البرازيلية، صرح لياسير ريبيرو، البالغ 70 عاما، والذي شغل منصب رئيس جمعية الجراحة الإستيتيقية بالبرازيل، بأن القذافي صرح له بأنه على رأس السلطة منذ سنوات وبأنه لا يرغب أن ينظر إليه الشباب وكأنه عجوز. ولتسريح وجه الكولونيل استخرج الطبيب الشحم من بطنه ليحقنه في خديه. بعد هذه العملية، عاد الطبيب مرة ثانية رفقة فابيو النقاش لزرع شعر مصطنع للعقيد. لكن التشويه، الذي طال خلقته، ليس سوى مرآة للتشويه الذي لازم نتاجه وجنونه السياسي، الذي أوصل ليبيا اليوم إلى وضع تراجيدي.
بذرة الجنون لدى العقيد القذافي
من هو القذافي؟ يتساءل ألكسندر النجار. ما هي أصوله؟ أي تفسير يمكن تقديمه لهبله، وجنونه؟ كيف احتضنته المجموعة الغربية بعد أن شيطنته «عقود من الزمن»؟
ظاهرة القذافي ليست بالجديدة. إذ يشبه غالبية الطغاة المعروفين. فهو حاكم توتاليتاري، منع تعددية الأحزاب، ورتب الدستور على هواه لضمان ديمومة سلطته. وبما أنه مصاب بجنون العظمة، فقد راوده حلم بأن يكون خليفة جمال عبد الناصر لتوحيد الأمة العربية. مستفز، استعراضي، متشنج، يتصرف على هواه ومن دون ضوابط، يلقي خطبا مبهمة، ويتظاهر بمحاربته الزبونية، ويدافع عن الديمقراطية على الطريقة الليبية بمنح السلطة للجان الثورية. كمم حرية الصحافة، وتصرف بطريقة أصولية حتى في محاربته للأصوليين، عبر الرجوع إلى الشريعة، كما أعرب عن مناهضة الغرب. وقد حمل مسؤولية فشل ثورته للشعب، مشيرا إلى أن هذه الثورة كانت ستحقق إنجازات خارقة لو كان الشعب مثقفا. وبشهادة العديد من المراقبين فإن القذافي «معتد بنفسه» (إيريك رولو)، «مضطرب» (فرانسوا ميتران)، «شخص لا يطاق» (جورج بوش)، «كلب مسعور» (رونالد ريغان)، «مجنون» (أنور السادات)، «إنسان مزدوج الشخصية» (جعفر النميري)، «خطر على نفسه وعلى منطقة المغرب العربي» (الحسن الثاني). «في غمرة الثورات العربية وجهت إلى العقيد تهمة اقتراف «جرائم ضد الإنسانية»، لكن الجريمة الحقيقية هي الإهمال المتواطئ للمجموعة الدولية التي سمحت ببقائه لمدة نصف قرن على رأس السلطة.
قبال المعطي
الجمعة، 3 يونيو 2011
قناة الجزيرة.. مرآة لتاريخ العشيرة الحاكمة في قطر
كتاب «قناة الجزيرة..» يفكك طبيعة الارتباط الغامض بين الإعلام وممارسة السلطة في بلدان الخليج
البحث الذي أصدرته كلير-غابريال تالون، وهي باحثة معربة بمعهد الدراسات السياسية في باريس، إضافة نوعية إلى خزانة البحث عن الإعلام القطري بشكل عام وقناة «الجزيرة»
بشكل أخص، في علاقتهما بالنظام الحاكم. إن كانت القناة وليدة ظروف أنثروبولوجية، اقتصادية وجيوسياسية، فإنها بالرغم من شفافيتها الفائقة تبقى كيانا إعلاميا متذبذب الهوية، بحكم الجدلية الخفية بتعبيراتها القبلية، وأقطاب النفوذ التي تسيرها وتتحكم فيها. وتشير الباحثة إلى أن كلمة «جزيرة» في اللغة العربية تبقى كلمة، غامضة. إذ تعني الكلمة في نفس الوقت، الجزيرة، شبه الجزيرة، الواحة، أرض تقع بين نهرين، أو منطقة جغرافية محفوفة بالصحراء. في هذا المجال يتم الحديث عن «جزيرة العرب»، «جزيرة الأندلس»، كما نتحدث عن «الخزيرات» بالجنوب الإسباني.
مثلها مثل ماكدونالدز، نايك، إيف سان لوران، سي-إن-إن الخ... أصبح رمز «الجزيرة» ماركة مسجلة في المخيل الدولي، حيث تفوق شهرتها شهرة بعض البلدان التي لا تتمتع بأي شفافية في المشهد الدولي.. فاللقب في زمن العولمة أصبح مرآة للهوية وأداة للتعريف والترويج. واستراتيجية الماركيتينغ التي انتهجتها القناة القطرية كانت الغاية منها تأصيل المرجعية في التربة المحلية والإقليمية (الجزيرة القطرية، الجزيرة العربية)، خلافا لبعض الفضائيات العربية التي هي فضائيات «أوف-شور» تبث من خارج البلد. لذا فالمكون والدلالة الجغرافية التي يستند عليها العنوان عاملان أساسيان في الترويج والدعاية. وفي موضوع القناة، تاريخها، ظروف نشأتها، وطفرتها في المشهد الإعلامي العالمي ألفت أبحاث، عقدت ندوات، وتدخل رؤساء دول لشيطنتها أو للدفاع عن حقها في الخبر الحر. البحث الذي أصدرته كلير-غابريال تالون، وهي باحثة معربة بمعهد الدراسات السياسية في باريس، إضافة نوعية إلى خزانة البحث عن الإعلام القطري بشكل عام وقناة «الجزيرة» بشكل أخص، في علاقتهما بالنظام الحاكم. إن كانت القناة وليدة ظروف أنثروبولوجية، اقتصادية وجيوسياسية، فإنها بالرغم من شفافيتها الفائقة تبقى كيانا إعلاميا متذبذب الهوية، بحكم الجدلية الخفية بتعبيراتها القبلية، وأقطاب النفوذ التي تسيرها وتتحكم فيها.
وتشير الباحثة إلى أن كلمة «جزيرة» في اللغة العربية تبقى كلمة غامضة. إذ تعني الكلمة في نفس الوقت الجزيرة، شبه الجزيرة، الواحة، أرض تقع بين نهرين، أو منطقة جغرافية محفوفة بالصحراء. في هذا المجال يتم الحديث عن «جزيرة العرب»، «جزيرة الأندلس»، كما نتحدث عن «الخزيرات» بالجنوب الإسباني. وقد استعمل علماء الجغرافيا «جزيرة المغرب» للحديث عن بلدان المغرب العربي. لكن في الاستعمال المتداول تحيل الكلمة على المهد الجغرافي للحضارة العربية الإسلامية، أي على «شبه جزيرة العرب». جاء ذكر إمارة قطر في أدب الرحلات أو تقارير الجغرافيين كقرية أو كمرفأ للصيد. ما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، لم تأت الخرائط الإيطالية، الفرنسية، البريطانية والهولندية على ذكر قطر.
قطر تخرج من نفوذ السعودية
حين أعلن أمير قطر في نوفمبر 1996 عن إطلاق قناة «الجزيرة» الإخبارية، رغبة في إخراج إمارة قطر من كنف المملكة العربية السعودية، التي كانت تغذي، منذ القرن التاسع عشر وقبل أن تصبح قوة نفطية، رغبتها في إبقاء نفوذها الشامل على شبه «الجزيرة» العربية. في المجال الإعلامي وقبل إطلاق قناة الجزيرة كانت السعودية، ومنذ عام 1970، عبر المستثمرين، تبسط هيمنتها على السوق الإعلامي العربي، لكنها وسعت هذا المجال في التسعينيات، بإطلاق أمراء سعوديين مقربين من العائلة الحاكمة أربع مجموعات قنواتية هي: روتانا (1987)، إم-بي-سي» (1991)، آي-ر-تي (1993) وقناة «أوربيت» (1994). كان المشهد الإعلامي يتمفصل حول بضعة شخصيات سعودية أمثال الشيخ فيصل بن سلمان، الأمير خالد بن سلطان، دلة البركة، الوليد بن طلال، خالد بن عبد الرحمان السعود، الشيخ صالح الكامل، الشيخ وليد إبراهيم...الذين يحتكرون القطاع الخاص وأغلبية الموارد الإعلانية. لما أطلق أمير قطر اسم القناة القطرية الفضائية الأولى على قناة الجزيرة، عبر عن رغبته في تمثيل الهوية العربية الإسلامية للقرن الواحد والعشرين، على حساب جارته السعودية.
فصامية النظام السعودي
منذ الستينيات كانت العائلة الملكية السعودية تطمح إلى البحث عن بسط هيمنتها على الإعلام الجهوي مع الاستمرار في فرض نظام خاص على المجتمع السعودي، حتى يتسنى لها الحفاظ على شرعيتها الدينية داخل المملكة. وإلى غاية التسعينيات نجحت في تمويل وسائل إعلام «أوف-شور»، متحررة ويديرها أعضاء من العائلة الحاكمة، فيما تابعت ممارسة الرقابة محليا على وسائل الإعلام الوطنية والعالمية. كان على رأس أكبر مجموعة إعلامية سعودية مسيرون من أمريكا، أستراليا، كندا جاؤوا من سكاي نيوز، بي-بي-سي، سي-بي-إس. أما البرامج التي كانت قائمة على التسلية فلم تسلم من انتقادات الفقهاء والقوى المحافظة بالمملكة. وقد تحدث الخبراء الإعلاميون عن فصامية النظام الذي أطلق فضائيات في الخارج ببرامج للتسلية والترفيه، فيما تسود في الداخل عقلية قروسطية. في عام 2001 وفي الوقت الذي حققت فيه البرامج السياسية مثل «الاتجاه المعاكس»، «أكثر من رأي» لقناة «الجزيرة» اختراقا واضحا على خلفية الانتفاضة الثانية في فلسطين، رد الإعلام السعودي باستراتيجية تقوم على المزيد من التسلية. هكذا طرحت قناة MBC برنامج «من يريد الفوز بالملايين؟»، بغية منافسة «الجزيرة».
لكن في سنوات التسعينيات انكسر التوازن بانبثاق تكنولوجيات حديثة وصعود الحركات الإسلامية في المملكة. كما تدخلت عوامل أخرى، أهمها صدمة النفط،، حرب العراق، ضغط الأمريكيين، للدفع بالنظام السعودي إلى تحرير القبضة حول المشهد الإعلامي. لكن الإصلاحات التي أدخلها النظام السعودي لم تكن سوى رمزية. ترجم هذا الانفتاح بإطلاق قناة وطنية مستقلة، هي قناة «المجد»، وإصدار جريدة «الوطن»، لسان حال الإصلاحيين بالمملكة بمنطقة عسير. كما أصدرت الحكومة عام 2002 قانونا للصحافة، ورخصت بإنشاء مجلس للصحافيين.
رهان المنافسة بين فصائل العائلة الحاكمة
في غياب إصلاح للاقتصاد العمومي، لم تكن للإصلاحات الإعلامية التي أدخلها النظام القطري سوى تأثير باهت على مسلسل التغيير العام للمجتمع، بل أكثر من ذلك ساعد هذا الوضع على تعزيز نفوذ الطائفية العائلية، وخاصة تعزيز سلطة العائلة الحاكمة. لكن أسبابا بنيوية وظرفية تآلفت منذ مجيء الشيخ حمد إلى السلطة لتعزيز سلطة ونفوذ آل ثاني وشبكات حلفائهم على الاقتصاد بصفة عامة والميدان الإعلامي بوجه خاص. كما تميز نظام الشيخ حمد كذلك باحتضانه الإخوان المسلمين، الذين فروا من مصر هربا من قمع الدولة. غير أن نفوذ الإخوان المسلمين، الذين كانوا يحظون برعاية القصر، نافسه نفوذ ما سمي بالتيار الوسطي، وعلى رأسه يوسف القرضاوي، الداعي إلى إصلاحات ليبرالية.
شبكات النفوذ الثلاث
عزز التحرير النسبي للمشهد الإعلامي من دور ثلاث شبكات نافذة تتحكم فيها شخصيات تقع خارج نفوذ عائلة آل ثاني. للشبكة الأولى ارتباط وثيق بوزارة الخارجية وتقع تحت نفوذ الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني. تنتظم هذه الشبكة حول مجموعة من الشخصيات، منهم موظفون سابقون في نفس الوزارة، ديبلوماسيون سابقون وصحافيون حصلوا على وظائف سامية داخل الديبلوماسية القطرية قبل أن يعينوا في مراكز رئيسية ضمن هيئة تحرير صحف وطنية، أشهرهم أحمد علي الذي عمل مديرا لمجلس إدارة جريدة «الوطن»، والذي منح رتبة سفير من طرف الشيخ حمد بن جاسم، والشيخ حمد سحيم آل ثاني الذي شغل منصب أول وزير للخارجية بعد استقلال البلاد، قبل أن يعين رئيسا للمجلس الإداري الحالي لصحيفة «الوطن». الشخصية الثانية التي تتمتع بنفوذ داخل الجهاز هو الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، وهو أيضا صهر الأمير، وهو شخص يتربع على أولى ثروة في البلاد. أما على مستوى قناعاته الدينية فهو وهابي محافظ ومناهض لتيار «الوسطية»، الذي يسانده الشيخ يوسف القرضاوي والشيخة موزة. وهو رجل أعمال ليبرالي مناهض للتيار «القطبي»، الموالي لمنظمة حماس، وفي الوقت ذاته مؤيد لفتح حوار مع إسرائيل. وهو بذلك أقرب من أطروحات الشيخ عبد الحميد الأنصاري، العميد الليبرالي سابقا لكلية الشريعة بجامعة قطر، الذي «تألق» في الجرائد القطرية بمواقفه المناهضة ليوسف القرضاوي وتنديده بالعمليات الانتحارية في فلسطين، العراق وأفغانستان، ودفاعه عن التطبيع مع الدولة العبرية.
تهيمن على شبكة النفوذ الثانية الشيخة موزة بنت ناصر المسند، التي بسطت مراقبتها على وزارة التعليم كما تحكمت بشكل مبكر في أجندة الإعلام بنضالها في سبيل مجموعة من الإصلاحات السياسية. كما رعت مشاريع إعلامية مثل مدرسة الصحافة القطرية التي رأت النور عام 2008، أو مركز قناة «الجزيرة» للأطفال. كما استندت على الأوساط الجامعية والتربوية لإطلاق منابر كفيلة بتمرير صورة حداثية عن المرأة. كما أن ممثلي تيار الوسطية بزعامة الشيخ القرضاوي كان دعامة معنوية لها. وقد تبنت ودعمت موقع «إسلام أونلاين»، الذي نشطت فيه أسماء القرضاوي، الزوجة الثانية للمفتي، وإنتاج برنامج «للنساء فقط». وخلافا للشيخ حمد بن جاسم، فإن الشيخة موزة بمناهضتها للتيار المحافظ، هي المعبر عن ليبرالية اجتماعية إصلاحية تدعو إلى تحرير المرأة. المجموعة النافذة الثالثة يمثلها قدامى موظفي وزارة الإعلام بإشراف الشيخ حمد بن ثامر، ابن عم الأمير، الذي تقلد عدة مناصب قبل أن يعين رئيسا لمجلس إدارة «الجزيرة» قبل نهاية 1994. وهو محافظ، معارض لتيار الوسطية ومقرب من الإخوان المسلمين الراديكاليين المناهضين لإسرائيل. هكذا أصبح الحقل الإعلامي حلبة للصراع بين هذه الشبكات والأجنحة الثلاثة. وتعتبر قناة «الجزيرة» البؤرة الساخنة التي تبلور من حولها الصراع بين هذه التيارات والاتجاهات. ولا يفوت الباحثة التشديد على الأطروحة التالية، وهي أن تاريخ القناة ما هو إلا مرآة لتاريخ العشيرة الحاكمة بأقطاب نفوذها وصراعاتها.
الخبر على مدار الساعة
جاءت حرب العراق لتغير موازين الإعلام بالمنطقة. إذ أطلقت السعودية قناة «العربية» مع ترتيب برامجها وفق التقويم الزمني السعودي. كما احتوت العائلة الملكية ممثلي حركة الصحوة الإسلامية، الذين تم تهميشهم من النظام الإعلامي، لمواجهة المد الأصولي الراديكالي، الذي اكتسح المملكة على خلفية حرب العراق. هكذا كلف سلمان العودة، أحد الوجوه السياسية لحركة الصحوة، عام 2001 بتسيير الموقع الإسلامي «الإسلام اليوم». كما كلف الأمير الوليد بن طلال الكويتي طارق السويدان بالإشراف على قناة دينية جديدة هي فضائية «الرسالة». ومكن هذا الانفتاح النظام من الحفاظ على الوضع القائم مع رغبة في نزعة شوكة المعارضين. غير أن ضغط رجالات الدين نجح في آخر المطاف في طرد العناصر الليبرالية من الصحافيين. هكذا أبانت المؤسسة الدينية عن وزنها الحقيقي.
بالموازة، أبانت قناة «الجزيرة» عن نجاعتها اللوجيستية من خلال استراتيجية إعلامية مناقضة بالتمام لإستراتجية النظام السعودي والإماراتي، فقد كانت أولى قناة عربية لبث الخبر على مدار الساعة. هذا الخيار يناقض كلية خيار التسلية الذي انتهجته السعودية، بل دول الخليج. كما أن «الجزيرة» هي قناة تعمل من الداخل ولا تبث من الخارج كما هو حال أغلب الفضائيات السعودية. كما تتميز «الجزيرة» بتعدد خطها التحريري وتعدد طاقمها الإعلامي، أي بوجود أغلبية من الصحافيين غير قطريين. كما كانت «الجزيرة» ترجمانا للإسلام السياسي في شخص منشطها يوسف القرضاوي، في الوقت الذي تعثرت المحاولات الإصلاحية في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات. أية أسباب سياسية وبنيوية لتفسير نجاح النموذج الإعلامي القطري؟ هل يعني ذلك أن النظام تخلص من النزعة المحافظة للنخب السياسية والدينية التي تعيق لدى الجيران انبثاق وتطور الإعلام المستقل؟
لم يفت الباحثة التذكير بالدور الذي لعبته الشيخة موزة بنت ناصر المسند، الزوجة الثانية للأمير، في تحرير المشهد الإعلامي القطري، والتي كانت وراء حملة إصلاح قانون الصحافة والمنشورات. لكن تضيف الباحثة أنه من الصعب وضع قناة «الجزيرة» الممثل للانفتاح الجديد للحقل الإعلامي القطري.
منذ البداية، نحى الشيخ حمد القطريين من هيئة التحرير. إذ في المجموع، لم يمثلوا سوى 21,79% من الطاقم العام. وانحصر وجودهم في التسيير الإداري والتقني. كما تسبب تعيين مسؤولين من جنسيات أخرى في مغادرة العديد من القطريين للقناة.
كتاب الأسبوع
المعطي قبال
السبت، 9 أبريل 2011
الحرب الخفية بين أمريكا والصين لزعامة العالم
كتاب «حرب الإمبراطوريات» يرصد الحرب الشرسة لتقاسم الاقتصاد العالمي
في كل الزيارات الرسمية التي يقوم بها الرئيس الصيني لإحدى العواصم الغربية. يكون الواقع شيئا وديباجة البيانات شيئا آخر. وللوقوف على حيثيات هذه الثنائية يجب العودة إلى تاريخ
العلاقات الصينية الغربية، وهي علاقات تميزت دائما بنوع من عدم التكافؤ السياسي والاستراتيجي وميل إلى تصغير مكانة ودور الصين في المنظومة الدولية، الشيء الذي نتج عنه نوع من الحقد الصيني تجاه الغرب ورغبة في الانتقام وأخذ الثأر. وفي موضوع العلاقات الصينية الغربية، وتحديدا العلاقات الصينية-الأمريكية، تزخر المكتبة الفرنسية بالعديد من الأبحاث والدراسات. وآخر دراسة في الموضوع هو البحث الذي أنجزه فرانسوا لونغلي بعنوان «حرب الإمبراطوريات. الصين ضد الولايات المتحدة»، الصادر مؤخرا عن منشورات فايار في 243 صفحة.
خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني، هو جينتاو، للولايات المتحدة الأمريكية في الواحد والعشرين من يناير الماضي، انكب الجانبان على دراسة الملفات الاقتصادية والتكنولوجية (المال والأعمال قبل كل شيء)، فيما لم تحظ الملفات الإنسانية والثقافية إلا باهتمام عابر وسطحي. فمبررات هذا التفضيل لا تحتاج إلى تفسير، إذ بين القوتين العُظميَيْن ثمة رهانات مصيرية تهم بالأساس احتلال الصدارة وتبوؤ الصفوف الأمامية. في هذا النوع من المناسبات الرسمية يضع البلدان خلافاتهما، لفترة، جانبا لإعطاء الانطباع بوجود اتفاق بينهما. وفي الديباجة الختامية للبيان المشترك الذي أصدراه، تم التشديد على تعزيز سبل التعاون والشراكة بين البلدين.
وهكذا عليه الحال في كل الزيارات الرسمية التي يقوم بها الرئيس الصيني لإحدى العواصم الغربية. الواقع شيء وديباجة البيانات شيء آخر. وللوقوف على حيثيات هذه الثنائية يجب العودة إلى تاريخ العلاقات الصينية الغربية، وهي علاقات تميزت دائما بنوع من عدم التكافؤ السياسي والاستراتيجي وميل إلى تصغير مكانة ودور الصين في المنظومة الدولية، الشيء الذي نتج عنه نوع من الحقد الصيني تجاه الغرب ورغبة في الانتقام وأخذ الثأر.
وفي موضوع العلاقات الصينية الغربية، وتحديدا العلاقات الصينية-الأمريكية، تزخر المكتبة الفرنسية بالعديد من الأبحاث والدراسات. وآخر دراسة في الموضوع هو البحث الذي أنجزه فرانسوا لونغلي بعنوان «حرب الإمبراطوريات. الصين ضد الولايات المتحدة»، الصادر مؤخرا عن منشورات فايار في 243 صفحة.
تخمينات
يشير فرانسوا لونغلي، رئيس تحرير جريدة «لاتربين»، إلى أن عالم العلاقات الدولية وعالم المال له نزوع جامح إلى سرد حكايات خرافية والنفخ في فقاقيع مآلها الانفجار. الصين والولايات المتحدة هما إحدى هذه الفقاقيع. أحد التخمينات التي تم تسريبها هو أن المجمع الصيني-الأمريكي على وشك الخروج من الأزمة، وتحذوه الرغبة في إعادة إنتاج الرأسمالية. وتأتي الصور الرسمية التي جمعت باراك أوباما وهو جينتاو لإعطاء الانطباع باتفاق وتوافق بين البلدين. لهذا التصور مبررات يأتي على ذكرها الخبراء على أعمدة المجلات المتخصصة. من بين هذه المبررات أنه محكوم على القوتين الجبارتين المتاخمتين للبحر الهادي بالتفاهم بسبب ارتباط مصالحهما المالية والتجارية. فسقوط الواحد قد يجر معه الآخر لا محالة إلى الهاوية. المشكل أن كل هذه التخمينات لا وجود لها إلا في الفكر المرهف للدبلوماسيين. والواقع أن التفاهم الصيني-الأمريكي شبيه بأطروحة «نهاية التاريخ»، التي خمنها عام 1991 فرنسيس فوكوياما.
كما أن الكل يرسم سيناريوهات كارثية في حال غياب التوافق والاتفاق بين القوتين العُظميَيْن. ويتم التشديد على ضوء هذا الوضع على أننا على عتبة مواجهة، صدمة جديدة مثل الصدمات التي عاشها العالم في فترات متباينة لما تواجه القوة الرائدة القوة الضعيفة، بل الآفلة. ويظهر التاريخ بأن هذا الصراع من أجل القوة لا يتم دائما بكيفية هادئة وسلمية، بل يشكل، على العكس، محركا لحروب أكثر عنفا. فالإمبراطورية الناشئة تغذيها الشراهة وحاجياتها الجديدة، فيما الإمبراطورية المنحطة تدافع عن مظاهرها.
أزمة أحادية قبل أن تتحول إلى أزمة كونية
تعززت عام 2010 العديد من الظواهر: عودة المنافسة بين الدول العظمى، بعد فترة هدوء دامت عقدين. من 1945 إلى 1989 أوقفت الحرب الباردة المواجهات بين الإمبراطوريتين العدوتين في قارات مثل آسيا، إفريقيا أو في أمريكا الجنوبية. كان النظام في وضع نسبي من الاستقرار. وبعد انهيار جدار برلين، اكتسى النظام الجيو-سياسي بساطة أكثر بفوز النظام الأمريكي، بقيمه ورأسماليته. هذه الفترة الوجيزة كانت فترة أطلق عليها هوبير فيدرين، وزير الخارجية الأسبق في عهد رئاسة ميتران، فترة «القوة العظمى». لكن الأزمة التي يعرفها العالم اليوم، منذ 2007، قوضت دعائم العالم الأحادي. ذلك أن هذه الأزمة في مرحلتها الأولى لم تكن أزمة عالمية، بل أزمة غربية، بل أكثر من ذلك أزمة الهيمنة الغربية على العالم، التي أثرت بشكل بالغ في النموذج الليبرالي، وفي تطوره و منظومته التجارية. كان رخاء أمريكا تجسيما وبرهانا ماديا على تفوقها الجيو-سياسي. كما أن تفوقها التكنولوجي وظف للحفاظ على تفوقها العسكري وتعزيز تنميتها. لكن، حتى بخروجه من الأزمة، لا يزال الغرب يجر خلفه مديونية هائلة ستعيق لامحالة ديناميته سنوات، وخاصة دينامية الدول الأوروبية الأكثر عرضة للأزمات. وبالنظر إلى هذا الوضع، تراجعت ثقة المواطنين في المؤسسات الاجتماعية والسياسية. كما عرفت محاولات إعادة تأسيس الرأسمالية فشلا ذريعا. وعليه وجدت الدول الغربية نفسها أمام المعادلة التالية: إما العودة إلى الوضع الذي سبق الأزمة وإما قبول مرحلة طويلة من التصحيح ومن التنمية الخفيفة بهدف تقليص عبء المديونية.
ظاهريا، يبدو أن الوضع ليس على هذا المنوال في الدول العظمى الصاعدة. إذ لم تعرف الصين أي تراجع في اقتصادها. لقد قدمت الصين حصيلة اقتصادية ممتازة، حيث بلغت معدلات نموها مستويات فائقة، فيما لم تسجل مديونيتها أي وثبة. ولم تعان الدول الصاعدة من آثار الأزمة، بل أكثر من ذلك، نجحت أيضا في نقل واستقطاب مركز الاقتصاد العالمي لصالحها. فالدورات الاقتصادية للدول الصاعدة التي عرفت انتكاسة ما بين سبتمبر 2008 وربيع 2009 نجحت في الانطلاق مجددا وعلى وتيرة جديدة. علاوة على المستوى الاقتصادي، تمت هذه الثورة أيضا على المستوى السياسي بإطلاق «مجموعة 20»، التي جمعت العشرين دولة الأكثر تصنعا ونفوذا. وحتى إن كانت هذه المجموعة يطغى عليها طابع الثرثرة وعدم الفاعلية، فإن تحويلها إلى هيئة مؤسساتية يترجم ما يختمر في ذهن مسيري دول الشمال من صعوبة، بل استحالة معالجة قضايا العالم من دون مساهمة الدول الصاعدة. وقد استفادت بكين من هذه العملية. ذلك أن الصين تعتبر أول بلد من ناحية حجم السكان. كما أن اقتصادها عرف وسجل أعلى نسبة نمو، كما أن لها علاقات وثيقة ومميزة مع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة. فالصين مندمجة في الاقتصاد العالمي أكثر مما عليه البرازيل والهند، فيما تكتفي روسيا بتصدير وبيع البترول والمواد الأولية والسلاح. كما أن الصين تتوفر على مدخرات نقدية تقدر بـ2500 مليار دولار. هكذا أصبحت كل الطرق النقدية تؤدي إلى بكين. وتبعا لقولة أنطونيو غرامشي، فإن الأزمة تفرق بين القديم والجديد. كما أظهرت الأزمة الديكور الجيو-سياسي للسنوات القادمة، التي ستشهد مواجهة بين القوى العظمى ضمن لعبة عدوانية وغير مستقرة. في مستهل القرن الواحد والعشرين، فإن هذه المواجهة يمكن أن تكون مضاعفة بحرب أيديولوجية يتجابه فيها نموذجان: النموذج الغربي الذي تمثله الولايات المتحدة مع الديمقراطية كمبدأ للتنظيم السياسي والسوق كأداة للتسوية الاقتصادية، والنموذج الصيني حيث سلطة الدولة وسلطة الحزب الشيوعي تفرض نفسها على الاقتصاد والمجتمع.
تعودنا على المجابهة بين النموذجين لأنها طبعت بميسمها القرنين الأخيرين، كما أنها غذت الحروب الأكثر وحشية. إن كان النظام الليبرالي قد أعطى الانطباع في لحظة ما بتفوقه بعد انهيار جدار برلين، فإن الأزمة قد غيرت كل المعطيات. إذ عرفت الديمقراطية والسوق نفس المصير الذي عرفته الولايات المتحدة.
كثافة الحضور الصيني
في الصين، كان من بين الآثار الحميدة للأزمة أثر هام: تمكنت البلد من الوقوف على سلطتها. إذ في الوقت الذي انهارت أمريكا تحت مفعول الأزمة، نجحت الصين في رفع رأسها عاليا. كما أن مخطط إعادة الانطلاقة الاقتصادية، الذي أقرته بكين في بداية 2009، كان بمثابة عنصر هام لمنع العالم من الانهيار الاقتصادي. ومن ثم أصبح الاقتصاد العالمي بين يدي الصينيين.
منذ عامين تتبجح الصين وتعرض أمام الجميع قوتها الاقتصادية. وفي اليوم الذي انهار بنك ليهمان بروذيرز، البنك الأمريكي للأعمال، الذي تسبب في الأزمة الكبرى الحادة، في هذا اليوم بالذات نجح الصينيون في أولى خرجة فضائية. لم تهتم الصين بسقطة الولايات المتحدة لأنها كانت منشغلة بفرحة إنجازها الفضائي. وقد عرضت مظاهر هذه الفرحة من خلال استعراضات باذخة مثل الألعاب الأولمبية التي نظمت ببكين عام 2008 أو المعرض الدولي لشنغهاي في ماي 2009. كما تعرب عن هذه القوة من خلال عملتها الوطنية، اليوان، المخفضة. وعلى المستوى الملاحي، في المحافل الدولية، وفي المصانع الحربية حيث تصرف أزيد ما تصرفه مجموع دول الاتحاد الأوروبي، على مستوى الانترنت حيث تقوم بهجمات منتظمة على أهداف أمريكية وعلى مؤسسات تكنولوجية أو إدارية. في كل أنحاء العالم، فإن الصين حاضرة بكثافتها وبوزنها التجاري والتكنولوجي. ويرى الصينيون في هذا الإنجاز ليس فحسب نجاحا، بل يعتبرونه أيضا نوعا من أخذ الثأر. ثأر ضد الغربيين، ضد السالبين الذين خطفوا من البلد الأضواء لمدة قرنيين من الزمن. لم يستسغ الصينيون تفوق الغرب. إذ نما نوع من الحقد الدفين لديهم خلال ما سمي بـ«قرن المذلة». هذه الحقبة السوداء التي ابتدأت مع «معاهدة نانكان»، والتي بموجبها استسلمت ما كان يسمى بـ«إمبراطورية الوسط»، بعد هزيمتها عام 1842 واستسلامها للشروط التي أملتها بريطانيا بعد حرب الأفيون. قرن من الاحتلال الأجنبي، من الحروب، ومن الجوع والإبادات مثل تلك التي اقترفها اليابانيون في الثلاثينيات، والتي لم تنته إلا بفوز الشيوعيين لما أعلن ماو تسي تونغ قيام الجمهورية الشعبية عام 1949، خصوصا أن الصين وإلى غاية 1800 كانت قوة اقتصادية عظمى ومن الحضارات الراقية، كما أشار إلى ذلك عالم الاقتصاد آدم سميث.
تتغذى النزعة الوطنية الصينية إذن من التاريخ المضطرب للقرنين الماضيين. وفي أكثر من مناسبة، سواء خلال مساندة الدلاي لاما أو خلال أي حادث يتعلق بأمن الصين، فإن هذه النزعة الوطنية تفصح عن ذاتها وبشكل متشنج. وعوض أن تخفف الإنجازات التي حققتها الصين اليوم من هذا الحقد ومن النزعة الوطنية، يستند عليها البلد لتبرير إرادة قوته. ككل القوى العظمى الناهضة، تغذي الصين قناعة بأن الولايات المتحدة تتآمر لمنعها من الحصول على المكانة اللائقة بها وأخذ مكانتها إلى جانب الكبار.
عقدة المحاصرة والرغبة في التفوق
العقدة التي يشعر بها ويغذيها النظام الصيني هي ما يشعر به أيضا رجل الشارع. فإن دشن سقوط حائط برلين بالنسبة للغربيين مرحلة أمل، فإنها لدى الصينيين، على العكس، كانت بمثابة عودة للخطر الكبير، خطر الانقراض نهائيا. جاءت أحداث «تيان أن مين» عام 1989 لتعزيز هذا الشعور. انبثاق النظام الليبرالي العالمي، اختفاء الكتلة الشيوعية، وانتصار القيم الأمريكية عزز من عقدة المحاصرة التي تعاني منها بكين. وفي السنوات التالية، اشتد التوتر على أطراف المحيط الهادي بين الصين والولايات المتحدة. وقبل انتخابه، غذى باراك أوباما الكثير من الآمال على الرغبة في خلق علاقات جديدة بين البلدين. لكنه أصيب، بسرعة، بخيبة أمل، الشيء الذي قاده إلى تصحيح إستراتيجيته. إذ أن كل المواضيع والملفات أصبحت محط مواجهة بين الدولتين: العملة الوطنية، وجود غوغل ببكين، التعاون المسلح. في كل هذه المواضيع، كان موقف بكين الرفض واللامساومة مع أمريكا. وفي مستهل 2010، بلغ مشكل الخلاف التجاري والنقدي درجة من الحدة دفعت بالطرفين إلى التخفيف من حدة مواقفهما. وإن كانت الولايات المتحدة تهيء لإنجاح المؤتمر العالمي حول الطاقة النووية المدنية، فإنه من الجانب الصيني، حرصت السلطات على إنجاح المعرض الدولي لشنغهاي. هذا المعرض الذي كان من المنتظر أن يستقبل 100 مليون زائر. ولم تشذ الصين عن القاعدة التي تدفع بالأنظمة الاستبدادية إلى التشديد على المظاهرات الرياضية والثقافية الضخمة لأنها تشكل منبرا ناجعا للدعاية.
«يجب علينا الاستعداد للمواجهة»، يقول فرانسوا لونغلي. دخلنا مرحلة من الحتمي أن يتجابه فيها الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، مع الصين المهووسة بالسلطة، والتي لا زالت تعيش على مخلفات حقدها الدفين. فكل الخيوط والفخاخ التي ضربت حولها بدل أن تكون عائقا، أعطتها مزيدا من القوة. لكن الاقتصاد الصيني أظهر في المدة الأخيرة العديد من علامات الضعف. وليس من المستبعد أن يعرف البلد أزمته الكبرى والبنيوية هذه السنة. هكذا ستقع حرب الإمبراطوريات في إطار ظرفية صعبة، وليس من المستبعد أن تفاقم من حدة المنافسات. كما أنه من غير المستبعد أن تبسط أمام ناظرنا أربعون سنة من تاريخ علاقات معقدة تصطبغ تارة بالانبهار وتارة بالكراهية.
المعطي قبال
عن المساء
الأحد، 27 مارس 2011
ما هي الطاعة؟
كتبه سعيد السلماني في:27/03/2011 .
يعتبر مفهوم الطاعة من المفاهيم المعقدة نوعا ما ،لأنها يتداخل فيها ما هو سيكولوجي بما هو اجتماعي ،لذا يمكن اعتبارها آلية سيكوسوسيولوجيا بامتياز،كما أنها آلية مشتركة بين جميع الكائنات الحية إلا أنها يطبعها التعقيد في الجانب الإنساني.
والسؤال المحوري في هذا الصدد لماذا يطيع شخص ما شخص آخر؟وهل الطاعة فطرية أم مكتسبة؟
بداية إذا ما حاولنا تحليل طاعة المريض لطبيبه نجد أن الإنسان يطيع لعدة أسباب من أهمها ما يلي:
ـ الرغبة الإرادية والذاتية للشخص المريض نتيجة الغاية المتوخاة من هذه الطاعة فالمريض يطيع الطبيب رغبة في الاستشفاء وتأكده من القدرة الرمزية التي يحملها الطبيب بمعنى انه يطيع ذلك الرمز الذي يحمله الطبيب.
ـ كما أن الإنسان يطيع خوفا من أن يرفض من طرف الآخرين
ـ كذلك نتيجة السلطة التي يحملها شخص ما ،والرتبة التي أسندت له من طرف الجماعة
ـ وهناك طاعة يختارها الفرد نتيجة التأثير المفروض من طرف الجماعة أومن شخصية كاريزماتية
هذا،وترتبط الطاعة بمجموعة من المفاهيم السيكوسوسيولوجيا كمفهوم الدور الاجتماعي والمعايير الاجتماعية والقيم والتنشئة الاجتماعية...الخ . لذا،نجدها تأخذ أحيانا طابعا مرضيا عندما يسود القهر والهدر في المجتمع ،فتصبح الحرية قمعا وخضوعا،والطاعة انحرافا إنها سلوك يأخذ الطابع الفطري والمكتسب، فالحيوان يطيع فطريا وله استعداد لذلك، بينما الإنسان فيه شيء من ذلك، إلا أن التنشئة تلعب دورا محوريا في تقليم وتدجين الإنسان حسب الوضع السائد في المجتمع، فان كان هذا الأخير يطبعه العدل والمساواة الاجتماعية والديمقراطية والعقلانية...الخ فان إنسانه يكون اقرب إلى السواء الاجتماعي والعكس صحيح.
الأحد، 20 مارس 2011
• قراءة في كتاب : • السلطوية في التربية العربية • للدكتور :يزيد عيسى السور طي قراءة: سعيد السلماني 2010 / 2011
تمهــيـــــد
• ”ان العروق عليها ينبت الشجر“• ان التربية والتعليم هي مرآة المجتمع هي مقياس التقدم أو التخلف بحيث لا يمكن الحديث عن التنمية في ظل الأمية
ان التربية التي تقوم على العنف والتعسف والقهر والتسلط ومصادرة الحرية هي أقصر الطرق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع.
اختيار الكتاب للقراءة
لماذا؟
•
نظرا لرهنيته • المناداة بإصلاح نظام التربية والتكوين
• لا تنشئة بمعناها العلمي الصحيح إلا في ظل تعليم قوي
• بمواصفات عالمية.
• تأ طير عام للكتاب
• وقفة مع الكاتب:
• د ي ع السور طي؛ مهتم بالتربية ،اشتغل في العديد من الهيآت له العديد من الأبحاث في هذا الصدد. • حاول في هذا الكتاب أن يقف مع السلطوية كمرض يعاني منه الجسم التربوي العربي المثخن بالجراح.
• قسم مؤلفه هذا الى 7 ف؛ بالإضافة الى ت وخ.
• المراجع المعتمدة باللغتين ع (440 ) و ج(46).
• اشكالية الانطلاق؛ ما هي مظاهر السلطوية في التربية العرية؟ وما أسبابها ونتائجها؟
•
• تحليل المؤشرات:
•
المؤشر 1: مظاهر السلطوية في العملية التعليمية ـ التعليمية.
• أـ السلطوية في طرق التدريس
• هي أساليب نقل المعرفة والخبرة • و مضامين المناهج الى المتعلمين..
• من ابرز علامات السلطوية في هذا الجانب ؛التلقين
• انه اكثر الطرق التي تهدم شخصية الطالب فهو يضعف قدرته العقلية بل انسانيته وتكاد تلفي كيانه لأنه كثيرا ما يمارس من خلال علاقة تسلطية .
• خ؛ ان ارقى درجات التفكير عند الانسان تتكون وتنمو من خلال التلاقح الفكري الذي تحققه المناقشة والمناظرة في اطار من الانفتاح والتسامح والحرية .
• ب ـ السلطوية في المناهج الدراسية
•المناهج :هي الحياة المدرسية كلها، ومن أهم مظاهر السلطوية فيها ما
يلي: • اقتباسها من الخارج ثم فرضها بطريقة تعسفية على الطلاب
• تركيزها على المعرفة بدل الطالب
• سلطة المقرر من كتاب وغيره
• عدم المشاركة في بناء المنهج من مدرسين وطلاب ..
• خ، ان المناهج يجب ان تكون وسيلة لخدمة الفرد والمجتمع لا غاية يطوع في سبيلها الطلاب.
• ج ـ السلطوية في التقويم التربوي
• هو اصدارحكم على مدى تحقيق الطلاب أو الجهاز التعليمي الأهداف التربوية. • ان شمولية التقويم وتعدد أهدافه يتطلبان ضرورة بنائه على وسائل وأدوات متنوعة لكنه ينون في معظم المدارس العربية والجامعات من خلال وسيلة واحدة تقليدية وهي الامتحان.
• مخا طرالتقويم عن طريق الامتحا ن فقط
• التأثير على الحالة النفسية للطلاب
• ارهاق المدرسين وأولياء الأمور
• بروز النزعة الفردية والمنافسة السلبية
• خ إن تعليمنا بشكل عام ،لا ينبني كثيرا على البحث والتنقيب والاكتشاف، بل يعتمد غالبا على الاستقبال الذي يقوم على الخضوع والتنفيذ الآلي.
المؤشر 2:
مظاهر السلطوية في الجانب الاداري للتربية
• أ ـ السلطوية في الاشراف التربوي: • الاشراف التربوي: هو عملية تعاونية تهدف الى تحسين التعلم وتحقيق الأهداف التربوية .
• • بينت العديد من الدراسات الميدانية ان الاشراف التربوي في الدول العربية يستبعد أي اعتبار لقيمة المدرس ونموه الشخصي ومشاعره، يتحول فيه المدرس الى تلميذ والمشرف مدرسا تقليديا سلطويا يلقن ويعاقب من يشاء بطريقة عشوائية .
• • كثيرا ما يمارس الاشراف التربوي في عديد من المدارس العربة كعملية سلطوية مزاجية تفتيشية تهدف الى تخويف المد رس وإحراجه وإظهار نقط ضعفه ،فكل منهما لا يثق في الآخر
ب-السلطوية في الادارة التربوية
الادارة التربوية هي: مجموعة من العمليات والإجراءات والمسائل المصممة وفق تنظيم معين...هدفها الرئيسي هو الار تقاء بالتعليم والتعلم.
هذا يعني اعطاء العنصر البشري مكانته ،في أغلبية الوطن العربي تتميز الادارة التربوية بالسلطوية المتمثلة
في المركزية الادارية المتطرفة التي تجعل من اللهيآت المدرسية أدوات لتنفيذ تعليمات وأوامر الجهاز المركزي وهيمنة
البيروقراطية وضعف الكفاءات الادارية وغياب القيادة التعليمة .
السلطوية في الادارة التربوية
اين تتجلى؟ • ضعف الكفاءات الادارية وغياب القيادة التعليمية
• المركزية الادارية
• هيمنة البيروقراطية
وتؤدي الى النتائج التالية:
• جعل المدرس اقل قبولا لمهنته
• منتوج طلابي متذمر ،نكوصي ،مقهور مغترب.
• السلطوية في الادارة الصفية
• ان نجاح العملية التربوية يتطلق اساسا من الانجاز في الغرفة الصفية وهذا لا الا من خلاب امتلاك المدرسين لمهارات 3 مهمة هي: • التخطيط
• الادارة
• التدريس
وهناك اتجاهين رئيسين في ادارة الصف:
• 1 الاتجاه الوقائي:
• - توفير تعليم فعال يوفر بيئة مادية ونفسية ملائمة للتعليم
• - اقامة علاقة ايجابية داخل الغرفة الصفية من خلال تفاعل المدرس مع طلابه والطلاب مع بعضهم والمدرسين وبعضهم وكذا اولياء أمورهم
• 2 الاتجاه العلاجي التسلطي:
• - تحقيق النظام في الصف من خلال فرض الصمت ومنع المشاركة وتقييد فرص الطلاب في طرح الأسئلة
• - اعطاء اولوية كبرى لسن القوانين الرادعة القهرية
• يشير واقع الادارة الصفية في الوطن العربي الى ما يلي:
• - ضعف ادارة الصف الوقائية
• - شيوع ادارة الصف السلطوية العلاجية ،وهذا يؤدي الى النتائج التالية:
• **- قلة احترام الطلاب للمدرس وخرجهم عن النظام
• **- كثرة الغياب والغش في الامتحا نا ت
• **- زيادة تمرد الطلاب على سلطة المدرسة
السلطوية في العلاقة بين المعلم والطلاب
•
ان العلاقة بينهما في كثير من المدارس العربية غالبا ما تقوم على التسلط والاجبار من جانب المدرس ”الأعلم ” المسؤول“، والخوف والاذعان والاستسلام من جانب الطلاب حتى اصبحت مهمة كثير من المدرسين انتاج طلاب مدجنين غير قادرين على النقد والاعتراض والمناقشة ومذعنين لمختلف أشكال التعسف والقهر ،فقد العديد من الدراسات ان المدرس في الوطن العربي يميل الى التشدد ويجنح نحو السلطوية في تعامله مع طلابه. • من الأوليات الأساسية لكثير من المدرسين العرببشكل عام السيطرة على الفصل وضبط النظام فالمناقشة والتفاعل والاجابية قد يعني في نظر الكثير من المدرسين، الفوضى والتسيب واضاعة الوقت ولذلك لابد من تنمية فضيلة السكوت المطبق.
• • المؤشر 3:
مظاهرالسلطوية في مشكلة الحرية الأكاديمية
• مفهوم الحرية الاكاديمية:تعني غياب القيود والاكراه والاجبار والقهر عن نشاطات البحث والدراسة والتدريس في الجامعات ومراكز البحث. • عناصر الحرية الاكاديمية:
• -أ- حرية أعضاء هيأة التدريس،وتتجلى في :
• -الحق في توجيه النقد للبرامج التعليمية والتنظيمية
• - الحق في رسم مناهج في البحث والتدريس
• - الحق في التقكير المستقل والعمل سعيا وراء الحقيقة
• -ب- الاستقلال الاداري والمالي للجامعة
• -ج- حرية الطلاب ،وتتجلى في :
• - الحرية في تكوين استنتاجاتهم والتعبير عن آرئهم
• - الحرية في اختيار التخصصات والمشاركة في تقرير ما يدرسونه
• واقع الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية
• -غموض هذا المفهوم • - ضعف حرية الأستاذ الجامعي في البحث العلمي والتدريس
• - التسلط الاداري الجامعي
• - ضعف الاستقلال المالي ولاداري للجامعة
• - ضعف الحرية الأكاديمية للطلاب
• اسباب كل هذا ترجع الى: • تا + سي + اج •
• المؤشر 4 :
السلطوية وشيوع الأمية والتمييز التربوي
بالتعليم يتشكل عقل الانسان وفكره ووعيه السياسي والاجتماعي ومن ثم فان حرمان الانسان من حقه في التعليم يعد أحد مظاهر السلطوية في التربية العربية . • أسباب هذا الوضع: منها ما هو خ، اق ، اج، س ، ج ، ك ، ث ، وتع.
• اما السلطوية المتمثلة في التمييز التربوي فتتجلى بشكل واضح في التمييز الطبقي والجنسي والجغرافي.
• ومن نتائج هذا الوضع :
• _ اعادة انتاج التمييز في المجتمع
• _ زيادة التسرب والرسوب
• _ تهديد الأمن الاجتماعي والتربوي
• • • المؤشر 5:
السلطوية المتمثلة في التسليع التربوي
• هذه الظاهرة تعمل على تحويل التربية من رسالة سامية الى سلعة تجارية وتؤدي الى تشييء التربية بعد تشييء الانسان نفسه ، ومن ثم يصبح الهدف الأسمى للتربية هو تحقيق الربح ويتم تسويقها واترويج لها كأي سلعة بأساليب شتى مشروعة وصادقة أحيانا ، وينتابها الكذب والتزوير في أوقت اخرى. • ومن مظاهر هذا الوضع:
• _ الدروس والمدارس والجامعات الخصوصية
• _ المناهج الدراسية السكونية أو المستوردة المحولة الى مذكرات بهدف الربح
•_استراد الباحثين من الغرب والاسراع في البحوث جريا وراء الربح
• _ التقويم عن طريق الامتحانات فقط • ولهذا الوضع أسباب: اق، اج، فلسفية، .
• خ الثقافة المشبعة بالاتجاه السلعي كثيرا ما تتميز تربيتها بالطابع السلعي. • •
المؤشر6:
اللفظية والماضوية في التربية العربية
• اللفطية هي غلبة الألفاظ على المعاني . انها تحول التربية العربية من أفعال تنبض بالحياة الى اقوال جامدة ومن سلوكات علمية الى تنظير منفصل عن الواقع ومن تركيز على الجوهر الى اهتمام بالشكل ومن روح تسري في المجتمع الى مجرد ظاهرة صوتية
ومن مظاهر هذا الوضع: • _ اللفظية في الأهداف التربوية انها بيانات سياسية ذات توقعات تربوية • _ اللفظية في محتوى المناهج الدراسية
• _ اللفظية في طرق التدريس وفي البحث التربوي
• اما الماضوية فهي سجن وحبس النظم التعليمية في زنازن الماضي وحرمانها من العيش في الحاضر واستشراف المستقبل مما يجعل الترية اسيرة الماضي.
• ومن مظاهر هذا الوضع :
• - الماضوية في التقويم التربوي والأهداف التربوية وفي المناهج الدراسية وطرق التدريس وفي الادارة التربوية.
• ولهذا الوضع اسباب : ث، ت، اق، س، ن.
• ان اغلب تعليمنا في العالم العربي لفظي قهري ،فثمة كلام كثير ونظريات اكثر، وعمل قليل وانتاج اقل، فالاستعاضة بالقول عن العمل خاصية ثقافية عربية رءيسية معاصرة. • • المؤشر7:
نتائج السلطوية في التربية العربية
• 1 اعادة انتاج التسلط . • 2 اضعاف النظام التعليمي.
• 3 تسهيل التغريب الثقافي والتربوي .والاغتراب : هو حالة ذهنية يشعر فيها الشخص بأنه معزول عن مجتمعه ،أو هو شعور الفرد بالانفصال النسبي عن ذاته أو مجتمعه أوكليهما
• • من أهم مظاهر الاغتراب ما يلي:
• _ العزلة الاجتماعية
– العجز
- غياب المعنى والمعايير
– الغربة عن الذات
– فقدان الهوية
• خ ان السلطوية التربوية والتعليمية ،تنتج جيلا ضعيفا ومحبطا لا يقوى على مواجهة المشكلات والتحديات التي يواجهها فضلا عن عدم قدرته على تحقيق المعجزات
• • كلمة أخيرة :
• ان السلطوية مرض تنتشر أعراضه في كثير من أوصال الجسم التربوي العربي ، ولهذا المرض ضحيتان رئيسيان هما : الفرد والمجتمع.
• ولوضع حد لهذا الوباء الخطير يقترح الباحث مجموعة من التوصيات أهمها ما يلي :
ـ اقامة العلاقة داخل الأسرة وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية على أساس من التفاهم والتحاور والاحترام المتبادل، بعيدا عن القهر والاذعان والعنف والتركيز على أساليب الثواب والمكافأة والتشجيع ...
• اشاعة الأمن والحرية في جنبات المجتمع ومؤسساته
• تحقيق الاصلاح السياسي عن طريق المشاركة الاجتماعية الموسعة
• العمل على تطوير النظم التعليمية العربية بأهدافها وبنياتها أساليبها ومن أهم النقاط في هذا المجال ما يلي:
• أ- التخلي عن اعتبار المنهج الدراسي مجرد كتب مدرسية والنظر اليه على انه اطار شامل لللمعارف والخبرات والمهارات.
• ب- تنويع طرق التدريس بدل من الاعتماد على طريقة واحدة هي التلقين
• ج- تنويع وسائل التقويم بدلامن تبني وسيلة واحدة هي الامتحان
• د- اقامة علاقة تفاعلية بين الطلاب ومدرسيهم اساسها التفاهم والاحترام والسعي الى تحقيق أهداف مشتركة
• ه_ تحويل الاشراف التربوي من مفهومه التفتيشي السلطوي الجامد الى مفهوم متطور يقوم على التعاون والتنظيم من أجل تطوير العملية التعليمية التعلمية .
• و- التقليل من هيمنة المركزية الادارية في التربية والتعليم .
• ز- تبني المفهوم الشامل للادارة الصفية الذي يقوم على الوقاية من جهة والعلاج الذي ينبني على القواعد السليمة لتعديل السلوك من جهة اخرى
• ح- ضمان تطبيق الحرية الكادمية في الجامعات العربية
• ط- مقاومة التعامل مع التعليم بوصفه سلعة وابقاؤه خدمة تقدمها الدولة العربية لمواطنيها.
• ي- تحرير التربية العربية من اغلال الماضوية وربطها بالحاضر والمستقبل وتخليصها من الصبغة اللفظية المسيطرة عليها
• ك- العمل بجد على نشر التعليم ومحاربة الأمية. •
الإسلام و سؤال التعايش مع حداثة الغرب
كتاب " تراجيديا الإسلام الحديث " يناقش وضعية الإسلام في بلاد المهجر
المعطي قبال
منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 حظي الإسلام ولا يزال، كمعتقد وأسلوب حياة وبرنامج سياسي ومشروع مجتمعي، باهتمام المتخصصين الجامعيين، بل أيضا باهتمام الخبراء في الميدان السياسي، العسكري، الاستراتيجي والمعلوماتي والمخابراتي، كما لو كان ثمة منحى عارم إلى الرغبة في التحكم في كنه وأسرار هذه الديانة، التي أصبح ينظر إليها الغرب كمصدر للتهديد، من دون إدراك أسسها، تطوراتها وزخمها! وعلى ضوء هذا الحدث انبثقت الإصدارات على إيقاع متواصل، الجدي منها والخفيف. هكذا تتعايش على رفوف المكتبات الدراسات المناهضة، بل الإسلاموفوبية، مع الأبحاث الجدية. كما انبثق "جيل" من الكتاب نصبوا أنفسهم طواعية، ولأغراض دعائية، "متخصصين في الشأن الإسلامي"، يؤخذ برأيهم وبتخريجاتهم على كبريات القنوات. إن تشكل نزوع من التراكم في "كاتالوغات" الناشرين الغربيين في موضوع الإسلام والإسلامية، فإن المفارقة هي فقر المكتبات الجامعية أو برامج الناشرين العرب والمسلمين من هذه الأبحاث. وثمة عدم تكافؤ بين الدول العربية الإسلامية نفسها. يبقى أن تونس تحظى بتقاليد متينة ومميزة في البحث العلمي بحكم وجود نخبة تمكنت، بناء على مناهج حديثة، من النصوص ومن تاريخ للإسلام، فدراسات هشام جعيط، ومحمد الطالبي، وعبد المجيد الشرفي، وعياد بن عاشور وغيرهم...تعتبر بامتياز مرجعية حاسمة في مجال الإسلامولوجيا أو الدراسات الإسلامية. كما أن مبعث الأمل هي الروافد التي يمثلها الجيل الجديد من الباحثين، الذين تكونوا في الجامعات الغربية ذات الشهرة العالمية في مجال الفلسفة أو العلوم الإنسانية. ويقوم بعضهم بدور الوعي اليقظ حيال التبسيطات، التي تمررها الأطراف التي حولت الإسلام إلى رهان للسجال، بل للصراع المفتوح من حول قضايا الإسلام، تاريخه وموقعه، سواء في البلاد الإسلامية نفسها أو في بلاد المهجر، التي تحولت إلى مختبر فكري، إعلامي وسياسي تتصارع فيه الآراء والأطروحات بشكل مفتوح. وغالبا ما تطفو على السطح سلوكات لاواعية تفضي في الأخير إلى اعتبار الإسلام خطرا، وفي أحسن الحالات ديانة "تزمت" و"تخلف". والصورة التي ساهمت في فبركتها قبل ترويجها وسائل الإعلام تتقاطع مع هذا التصور. لقد أضحى الإسلام أحد المشاغل الحضارية للغرب، ومن الصعب طمس وجوده وحضوره المتزايد. ويعتبر حمادي رديسي واحدا من هؤلاء الباحثين، فهو حقوقي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة تونس، ويعتبر أحد المفكرين النقديين للحداثة في العالم العربي. وقد ركز فكره وأبحاثه على المطابقة بين الإسلام والقيم الديمقراطية مع الدعوة نضاليا إلى تحديث الإسلام. ومن بين المفاهيم التي ابتكرها ونحتها مفهوم "الاستثناء الإسلامي"، وقد سبق له أن ألف كتابا صدر عن منشورات "سوي" بنفس العنوان. تتقاطع خطوط الفكر الفلسفي لحمادي الرديسي من حول التأثيرات الفلسفية الإغريقية القديمة (أفلاطون وأرسطو) والفكر الفلسفي الحديث (جون راويلز، يورغن هابيرماس)، مرورا بفلسفة الأنوار (إمانويل كانط، مونتيسكيو، جان-جاك روسو). يتمحور قسم كبير من فكر الرديسي حول العقلانية في المجتمعات العربية الإسلامية، وهو لما يجند أعلام الفلسفة المسلمين من أمثال الفارابي، ابن سيناء، ابن رشد، لا يجعل منهم مرجعية المرجعيات في مشهدنا الحاضر، بل يضعهم في إطار النسبية العقلانية الكونية، منذ الحقبة الإغريقية إلى اليوم. وقد صدر له هذا الأسبوع مؤلف "تراجيديا الإسلام الحديث"، الذي يعتبر لبنة جديدة تنضاف إلى مشروعه الحداثي الفكري. حداثة مرقعة يرى حمادي الرديسي أن حيرة الإسلام اليوم لا يفسرها فقدانه هويته السكونية بقدر ما يفسرها حفاظه عليها. وإن تشظى اليوم التراث الإسلامي، فإنه لا يزال يحافظ على زخمه بدليل ذاكرة لا تزال موضع نزاع دائم. كما أن حداثته ظاهرة للعيان، حتى إن بدت مرقعة. كسب الإسلام عدة أوجه لأنه لم يتمكن من الحفاظ على وجه محدد. ويذكر الباحث بواقعة عاشها وهو ضيف على صديق ألماني: على إحدى القنوات كان بسام الطيبي، وهو مثقف مشهور في ألمانيا، يحاور فتاة منقبة، محاولا إقناعها بأن الإسلام الحقيقي لم يجعل يوما من النقاب واجبا دينيا. لكن الفتاة كانت تعارضه مفسرة بأن ارتداء النقاب هو ممارسة لإسلامها الشخصي. ويرى حمادي الرديسي أن هذا المشهد أصبح روتينيا ومألوفا، إذ يتحدث الكل عن الإسلام وباسم الإسلام، أي أن لكل إسلامه الخاص والشخصي. وحسب حمادي الرديسي، يوجد الإسلام اليوم في وضع تجزؤ وتشظ مزدوج، فهو موزع بين الحداثة والتراث. وقد كان للحداثة فعل صادم، إذ وفرت له إمكانية التعرف على الأنوار. لكن الإسلام تأثر بأفول أو انهيار تراثه. إنها سيادة التراجيديا. فهذه الأخيرة هي بمثابة المبدأ المؤسس لأي ثقافة. ما هي الطرق التي ينهجها الإسلام ليتطهر تبعا للمبدأ الأرسطي؟ للتخلص من هواجسه؟ لتجنب سخافة التاريخ؟ السؤال الأساسي الذي يطرحه كتاب الرديسي هو التالي: كيف يمكنه أن يكون ابن زمانه بدون السماح في هويته الثقافية؟ أصبح مصير الإسلام إما بصفته حضارة أو نموذجا أنثروبولوجيا، حبكة. يجب أن تكون هذه الحبكة أحد شواغل المسلمين، وإلا لن نفهم المشاغل التي تستأثر أو تستحوذ مثلا على الدياسبورا لما تطرح مسألة العيش في بلاد الغربة، أي خارج بلاد الإسلام. يطلق الرديسي على هذه الظاهرة "المسألة الغربية"، وهي مسألة محايثة للمسلم في بلاد المهجر. كيف يمكن للمسلم أن يكون في بيته وهو متغرب؟ ضرورة التوفيقية لكن الغرب ليس بحداثة أحادية، بل مجموعة من الحداثات، أو هو عبارة عن حداثة موزعة، حتى وإن كانت "الحداثة الكبرى" مشروعا أوروبيا. لذا يجب النظر إلى التراث والحداثة بصيغ الجمع. فالإسلام ثري بالتقاليد، والحداثة برنامج من الحقائق المتعددة. لقد اعترت التراث تغيرات وتأثيرات صعب معه أحيانا الإمساك أو التمكن من قضاياه الكبرى. ومع ذلك، فإن سلطته المرجعية لا تزال سندا يستشهد بها وتتكئ عليه مختلف السلطات، الدينية والسياسية. أسيرا بين التقليد والحداثة، فإن الإسلام هو ما ينتج في الوسط على طرفي الاثنين. ذاك هو الإسلام الحداثي، كلية بارزة، وجه أو صورة Gestalt . يعز ويقدر هذا الشكل من الإسلام سوابقه مثلما يحرض على توظيف العقل. يلتقط، وينقل درر الفكر الغربي. لكن مع ذلك لا يتخلص من الغموض الذي يعتريه، يلاحظ الرديسي، فضمن تعددية الحداثة، أية عناصر يمكن توظيفها ونقلها؟ يزعم الباحث بأن عقدة التراجيديا التي يعرفها الإسلام (من بداية إلى خاتمة المسرحية تبعا لشعرية أرسطو)، هو غياب لسلطة احتكام قادرة على التمييز بين التعدديات، بين التراث المتعدد والحداثة متباينة الأوجه. في عالم يجمع بين مفارقة التعددية الثقافية والانزواء الإثني، لا يمكننا الإفلات من التوفيقية. في النقد المزدوج لم يشذ الإسلام عن قاعدة الرغبة في الحياة، وهو ما أسماه سبينوزا "الشهية إلى كل ما هو نافع". فالإسلام على قناعة بأن الحياة تبعا لتعاليمه هل التي تستحق أن تعاش. المشروع الذي يناضل من أجله الرديسي هو مشروع يقوم على محاولة تأصيل الحداثة في الحياة اليومية، السياسية، الثقافية للمجتمعات الإسلامية. هذه الحداثة التي لا تزال أرضا بور في هذه المجتمعات، والتي تتقاطع إلى حد ما مع فكرة هابيرماس القائلة بأن "الحداثة في الغرب لا تزال مشروعا غير مكتمل". والنقد المزدوج الذي يدعو إليه الباحث يتموقع في الواقع ضمن المفارقة التالية: من جهة هو متضامن مع الحداثة الغربية، ومن جهة أخرى يأسف لكون هذه الحداثة لم تف بكل وعودها. على مستوى آخر، فإن النقد المزدوج لا يتضامن مع حداثة إسلامية، "حسب الطلب"، ولا يقبل من التراث إلا جوانبه المشرقة. ويندد النقد المزدوج أيضا بنفاق الثقافة المهيمنة في المجتمعات الإسلامية، مطالبا بحرية المعتقد والتفكير والتصرف، أي ما يسمى بحرية الفكر، و أن تمنح أخيرا إلى المواطنين، الذين لا يجب الخلط بينهم وبين المؤمنين لأن المواطنة شيء والإيمان شيء آخر. يتوجه الباحث إلى كل الذين يحسون أو يشعرون بأنهم يعملون في معاشهم على ترك المسافة بين شرق الأصول وغرب التبني، إلى الذين يتقنون لغتين أو أكثر، إلى الأوروبيين المسلمين لا المسلمين في أوروبا، إلى المسلمين الحداثيين... إلى جميع هؤلاء يتوجه الباحث بهذا النداء، مشيرا إلى أن النقد المزدوج هو برنامج حقيقتنا في هذه الحقبة من الهجانة ما بعد الكولونيالية. نحن الذين لا يمكننا أن نكون إغريقا حتى إن عاشرنا الإغريق في مرحلة من مراحل تاريخنا. نحن الذين لم تعد تنطلي علينا حيلة فرادة العالم، سواء كان عالمنا أو عالم الآخر. حتى "الإسلاموية"، سواء أحبت أم كرهت، تشارك وتساهم في نفس المشهد الحداثي، اخترقتها وتسربت إليها الحداثة رغما عنها. حتى العالم أكبر السيد أحمد جعل منها "مابعد حداثة" فاقعة تجمع بين المتعة والحنين، العصرنة والتراثية. وقد أشار على سبيل المثال إلى أن سروال الجينز لا يصلح للصلاة ولا إلى القيلولة! على أي نبقى المعاصرين التاريخيين للحداثة حتى إن لم نكن معاصريها الفلسفيين. يطرح النقد المزدوج على صعيد آخر المسألة التالية: أليست الإسلاموية نوعا من النزعة المحافظة الجديدة بما هي كسل فكري يعتمد على عطف الأغلبية. بدون مراوغة يرى المرديسي بأن النزعة المحافظة الجديدة عامة والإسلاموية خاصة تتعارضان مع فكر الحداثة الذي نتشبث به. أن نتعايش اليوم مع النزعة المحافظة الجديدة مسألة سياسية، وهي تهم الجميع الغرب والشرق على حد سواء، تهم "تقاسم العالم مع الآخرين". في أرض الإسلام يوجد النقد المزدوج اليوم بين ظهرانينا، و ليس بغريب عن التربة الإسلامية. اليوم، ثمة أمة احتمالية هي في وضع تراكب وتناضد مع الأمة الحقيقية. على طريقته الخاصة، يخلق الإسلام رابطا بين المحلي والدولي. ويبقى السؤال هو : هل للعولمة حظوظ لتحرير الإسلام من مسألة الغرب؟ يجيب المرديسي بأن الحظوظ منعدمة اللهم إذا ناضل الأفراد ضد أنفسهم وما بدواخلهم. وهذا ما يطلق عليه تعبير "الحياة البطولية". المشروع الحداثي الذي يناضل من أجل إقامته حمادي الرديسي مشروع نظري يتزاوج أيضا مع الممارسة السياسية لإحداث قطائع ثورية عبر بناء ديمقراطي من صنف جديد. استند الرديسي على ثورة الياسمين لطرح مجموعة قضايا تخص مسألة الحداثة، إعادة النظر في الدستور وبنوده. وفيما يخص العلمانية، يرى الرديسي بأنها لم تدخل بعد جوهر النقاش في تونس، ومع ذلك تبقى أحد التساؤلات الاستراتيجية، وستطرح مستقبلا مع الدستور الجديد ووضعية حركة النهضة. هل سيبقى المشرعون الجدد على البند القائل بأن الإسلام هو دين الدولة التونسية؟ الاتجاه السائد هو لصالح إعادة النظر في هذا التوجه مع إبقاء الدين في خانة ما هو خصوصي أو خاص. ينتمي الرديسي إلى مجموعة تدعو ليس فقط إلى حياد للدولة، بل أيضا إلى إنشاء مجلس يضمن احترام هذا الحياد في الحياة الاجتماعية، مجلس له القدرة على معاقبة المخالفين لهذا الحياد أو هذه اللائكية. نحن بصدد ورشة مفتوحة من المحتمل أن يكون فيها للمثقف وللمفكر دور ريادي واستشرافي في التغيير والبناء الديمقراطي. كتاب الأسبوع
السبت، 19 مارس 2011
شبح الامتحان ومخاطره
كتبه سعيد السلماني في:5/01/2011
هل الإنسان المغربي يعيش في اطمئنان وسلام دون هواجس تؤرقه وتقض مضاجعه؟ فما هي هذه الهواجس إذن ؟ كثيرة هي هواجس الإنسان المغربي فعلى الكل الاجتماعي تتحدد في ما هو أمني ،واقتصادي، وثقافي ، فالهاجس الاقتصادي يتفاقم يوما بعد يوم مما يفاقم الوضع الاجتماعي ويحدث رعبا في النفوس وكثيرة هي العبارات الدالة على ذلك مثل :" اقض وسلك " "التدويرة" أو الرشوة وتفاقمها وانتشار الدعارة والتهريب والمخدرات بكل أصنافها وظاهرة السعاية...الخ أما الهاجس الثقافي فكل مغربي يأمل أن يكون مثقفا أو على الأقل قارئا فالحديث مع الشريحة الذي أخطأها النظام التعليمي يوحي لك بأن هناك خللا ما في النظام التعليمي. فكثيرة هي الاختلالات التي تعيق المتعلم المغربي وللتدليل على هذا الواقع نقف ولو باختصار مع سيرة هذا المتعلم الذي يقضي جل أوقاته مترددا بين الأسرة والمدرسة ،وهذه الأخيرة تعتبر المحضن الأساسي في تشكيل هوية الطفل ،فهي التي تنتج لنا إنسانا مثقفا أو محسوبا على الثقافة ، فهذا المحضن مع الأسرة إما أن تخرجا لنا إنسانا يهوى العلم أو يهوى مشاهدة التلفاز ويكره الكتاب ، ومن ثم إنتاج أو إعادة انتا ج الظاهرة الشفوية . إن الأمر يتعلق بجميع المراحل التعليمية وتأتي مرحلة الجامعة تتويجا لتلك المراحل مصلحة أو متممة لما فقده الطالب في الطور الابتدائي والثانوي ، إلا أن الأمر لا يزيد عن سوق للاستهلاك وإنتاج المستهلك الماهر لا المبدع المنتج فجامعتنا المحترمة ما تنتجه يدل على التصنيف الذي احتضنته في المحافل الدولية فالإنتاج الذي تقدمه لا يزيد عن إعادة إنتاج لطلبة همهم الوحيد هو التفكير في اليومي والانشغالات الذاتية وللتدليل على ذلك هناك عبارات كثيرة تردد في الأوساط الطلابية مثل: "للي قرآ طفروا" أي ما ذا فعل السابقون بالقراءة؟ بمعنى أن ظاهرة البطالة تمثل شبح وهاجس كل طالب فأفواج المعطلين الذين يحجون كل سنة إلى الرباط تتزايد ، ومثل عبارة "للي معاندو ما يدير يجي الكلية يتسلى "وكذا " نديو الشهادة نعلقها فدار " وغيرها كثير مما يدل على أن هناك إحباطا عميقا في الأوساط الطلابية ،وهذا أدل دليل على الخلل الذي ينخر المنظومة التعليمية في بلادنا . إن جامعاتنا أصبحت تشكو من الأطر العلمية الحقيقية والمسؤولة ، فالجو العام ينطبق عليه المثل العربي الذي يقول" تمسك غريق بغريق" أين هو الإنتاج العلمي ؟ أين هو ذاك المعلم الذي كاد أن يكون رسولا ؟ أين المعلم الذي كان يعتبر الطالب ابنا والابن طالبا...الخ؟ لقد أصبحت ظاهرة السلطوية متجذرة في حقل تعليمنا ،والتعليم القائم على السلطوية ينتج لنا مجتمعا متسلطا يهوى التسلط والقمع ومصادرة الحرية والاغتراب وظاهرة السمسرة ...الخ إن التعليم الحر المعاصر يقوم على المشاركة والإبداع وإعطاء الحرية للطالب، ومن ثم انتشال المبدعين من براثن السلطوية وإعطاء فرصة أكثر لأولاد الشعب، إلا أن جامعاتنا تتميز بميزة خاصة وهي إنتاج الفاشلين أو إعادة إنتاج الوضع القائم، فالتعليم الذي يقوم على التلقين وقمع الطالب وعدم إتاحة الفرصة له وإعطاء الأهمية القصوى للامتحان الذي أصبح شبحا يخيف الطلبة ويتخوفون منه ،فكم من طالب أصيب بوعكة صحية ،وكم من طالبات أغمي عليهن يوم الاختبار ، أو يوم تعليق النتائج ، إن التعليم الذي يقوم على العنف والتعسف والقهر والتسلط ومصادرة الحرية لهو أقصر الطرق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع . إن ما يزيد هذا الوضع تأكيدا هو شبح الامتحانات هذه الأيام فهناك استنفار وحركة قل نظيرها في صفوف الطلبة ،فالكل يتحدث عنها وكأنها كل شيء من لا شيء، فهاجس الامتحان يؤرق الطالب هذه الأيام ،فعند حلول موسم الامتحانات تنتعش الكثير من الظواهر الموسومة بالنبذ الاجتماعي كالغش والزبونية والمحسوبية والهرج والمرج كما تنتعش الاقتصاديات الهامشية مثل: دور النسخ، والأكلات الخفيفة، وبائعي الحلوى أمام الكليات ،كما تمتلئ المقاهي بالقراء الشباب حتى ليخيل لزائر المغرب لأول وهلة بأن القراءة في المغرب في صحة جيدة ،حتى إذا أدركته زيارة أخرى لم يجد شيئا ،ووجد المقاهي عن آخرها بمشجعي البرصة والريال ، وآخرين أخطأهم الشغل متجمعين على إبريق من الشاي يحتسونه ،وكلما أحسوا بأنه فقد حرارته ينادون على النادل ،ما لهذا الشاي فقد سخونته؟ إن شمولية التقويم يتطلبان إعادة بنائه على وسائل وأدوات متنوعة ،إلا أنه يكون في جامعتنا من خلال وسيلة واحدة وهو الامتحان ومن ثم يترتب عن ذلك مخاطر عديدة منها على سبيل المثال ما يلي : _ التأثير على الحالة النفسية للطلاب _ بروز النزعة الفردية والتنافس السلبي _ تفشي ظاهرة الغش واستفحالها _إرهاق أولياء أمور الطلبة _ غياب الإبداع وتكريس ظاهرة الاستهلاك الثقافي عن طريق بلع ومضغ كل البضاعة التي تم الترويج والتسويق لها في الفصل...الخ إن تعليمنا بشكل عام لا ينبني على الابتداع والبحث والتنقيب والكشف والاكتشاف ،بل يعتمد على الاستقبال الذي يقوم الخضوع والتنفيذ الآلي ،فعبارة "شعال جيبت في النتيجة "،تعكس قلق الأهل والأصحاب، ودليل على تضخم هاجس الامتحان وإعطاء الأهمية للشهادة بدل العلم ، فهذا الواقع لا ينتج لنا أكثر من كوادر يجب إعادة النظر فيها . إن أسباب هذا الأمر الواقع كثيرة منها ما أتينا على ذكره في ثنايا هذا المقال والبعض الآخر يرجع في رأي الكثير من الباحثين إلى خلل ونقص في الرؤية الجادة والواضحة والنابعة من تربة الوطن في إصلاح النظام التعليمي. إذن لا بد من إيجاد رؤية وإرادة سياسية واضحة وقوية ،فبدونهما لا ، ولم ، ولن نحلم بمثقف هاو ومحترف،أوتقني منتج ،أو سياسي صادق وأمين،أوموضف محب لعمله ومسؤول...الخ. إن الحديث عن الحقل التعليمي بالمغرب يحتاج إلى شرح وحاشية، إلا أن ما يجب التأكيد عليه ، هو أن تعليمنا في خطر وربما يحتضر،ولا بد من تداركه قبل فوات الأ وان ،فالحرب حرب المعلومة ومن يبدع وينتج المعرفة يتحكم ،وهو مطلب الطامحين الحالمين لأن يتبوءوا مواقع متقدمة في العالم ، ومكان إنتاج هذا التبوء وتحقيق هذا المطمح لم ولن يخرج حقل التعليم ،فانتبهوا يا أولي الأبصار.
الخميس، 24 فبراير 2011
ما سر التشبث بالسلطة؟
اليوم يوم الاثنين 21_02_2011 يوم دموي في ليبيا،قصف بالطائرات والرشاشات وتجنيد عصابات وبلطجة من طرف القذافي وأعوانه من أجل السيطرة على الشعب الليبي بعد ما سيطر عليه 42سنة. السؤال الآن :ما الذي يجعل هؤلاء الحكام أن يتشبثون بالسلطة بشكل جنوني؟ بداية يمكن أن نسجل بأن السلطة نعمة ونقمة في نفس الآن،فهي نعمة عندما تكون شرعية،ونقمة ونقمة عندما تغتصب اغتصابا، فالحاكم الشرعي هو من تكون الديمقراطية شعارا وسلوكا في تصرفاته وانعكاسا في ارض الواقع ،وعندما نتلفظ بالديمقراطية في هذا الصدد فإننا نقصد الجانب الايجابي منها المتمثل في الحرية والمساواة والإخاء والعدل، لا السلبي الذي به تتم مخادعة الشعوب، فالديمقراطية الحقيقية لم توجد وليست موجودة في العالم العربي ،فالأمر لايعدوا تشدقا بالديمقراطية ورفعها شعارا عاليا مزركشا ،وهذا ما كذبته الشعوب العربية عندما خرجت على بكرة أبيها تطالب بإرجاع المعنى للديمقراطية فالشعب لا يخرج اعتباطا وإنما هناك حق أخذ وكرامة انتهكت وحرية قمعت وعدل كاذب ومزيف. وقد قال أحد الباحثين الفرنسيين" أوجست مولييراس" في كتابه المعرب المجهول"كل مسلم يولد وفيه شيء من الدبلوماسية،فالمسلم يشكل لغزا،وسيكون أكثر رجالنا السياسيين دهاء مجرد تلميذ أمامه،وهو من طبيعة مرنة،وذكية،متمرسة على الجدال ،تلتف ببراعة على الصعوبات،منفعلة لكنها تحسن الانتظار" فهذه المقولة تؤكد لنا عاليا صبر هذه الشعوب وتحملها لأنظمتها التي مارست كل المراوغات والحيل من اجل السيطرة عليها ،عن طريق التفقيروالتجهيل والتدجين...غير أن كل هذا لم يشفع لها فالشعوب لها وسائلها الخاصة في التثقيف واستيعاب الدروس فهي أعطت للحكام فرصا عديدا من أجل استدراك الأخطاء الاأنهم اعتقدوا بأنهم استحكموا على البلاد والعباد وفرحوا بما أوتوا حتى إذا هبت رياح الثورة ،والشعب أراد الحياة واستجاب لنداء الحرية والعدالة،أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، وتفاجئوا بسيل عرم من الشعوب التي كسرت حاجز الخوف ورفعت شعار الشعب يريد...،لأنه لم يبقى له سوى الإرادة التي لايمكن قهرها أو قبرها فالإرادة هي كل شيء في التغيير، وعندما تكون جماعية، يكون التغيير اشمل وأنفع ،وهذا ما حدث. إن هذه الثورات أبانت عن هشاشة السلطة التي يملكها هؤلاء الحكام فهم لم يستمدوا شرعيتهم وشرفهم بطرق شفافة وواضحة فهم التفوا على السلطة وفعلوا بها الأفاعيل ومن ثم أعطوا لأنفسهم الشرعية عن طريق التزوير والخداع القانوني والدستوري وعن طريق تكديس ثروة الشعب في أيديهم، ومن ثم فلا كرامة ولا شرعية ستبقى لهم عندما تنتزع منهم السلطة ،فهم الشرفاء والسادة والإنسانيون ما دامت السلطة بأيديهم وإزالتها يعني إزالة لإنسانيتهم وهذا هو سر التشبث بالسلطة حتى استنفاذ آخر ورقة يملكونها.
الاثنين، 21 فبراير 2011
التاريخ السري لتشغيل الأطفال عبر العالم
كتاب «تشغيل الأطفال في العالم» يفضح عمليات الاستغلال البشع للطفولة من أجل الرب
يعملون في حقول الكاكاو، القهوة، القطن، يكدون في المطابخ، يكسرون الحجر في مقالع الحجارة، أو يعملون صيادين في قوارب تنعدم فيها ظروف التدفئة، يشتغلون في الأزقة لبيع السجائر أو أكياس البلاستيك أو المنشفات، دون الحديث عن حملهم السلاح ضمن ميليشيات تجعل منهم قتلة أو قطاعا للطرق. تتقاسم أغلب دول العالم، وخاصة منها الدول الفقيرة، هذا الوباء الحديث، الذي اسمه تشغيل أو عمل الأطفال. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد هؤلاء الأحداث يناهز اليوم 300 مليون طفل في العالم. وعلى المستوى العالمي تبقى هذه الظاهرة بالغة الخطورة لأنها تمس كل القارات، سواء منها الدول الفقيرة، الدول الناهضة أو الدول المتصنعة. ثمة آراء مسبقة عن عمل الأطفال، سعت الباحثة في مستهل دراستها إلى توضيحها وإضاءتها: غالبا ما يتم توصيف هذا «النشاط» بعبارات بئيسة. لذا فإن هدف هذه الدراسة هو تجاوز أي قراءة تبسيطية أو اختزالية لمساءلة طبيعة الظاهرة بصفتها حقيقة اجتماعية تسبب في انبثاقها نموذج من التنمية لم يقدر على تقليص الفقر، بل أكثر من ذلك نجح في الحافظ، بل في تعزيز الفوارق الاجتماعية. كما يجب الاحتراس من تقليص هذا الواقع إلى مظاهره الأكثر إثارة. إذ أن عبارة أو تعبير «رق الأطفال»، التي يستعملها الإعلام، هي عبارة غير صائبة. إن كان الرق موجودا فإن جميع الأطفال ليسوا عبيدا. كما أنهم لا يحصلون على راتب. ذلك أن غالبيتهم تعمل بالوسط العائلي من دون الحصول على أجر. يقوم العديد من الأطفال بأشغال خطيرة تتجاوز قدرتهم البدنية. كما أنهم محرومون من الطفولة ومن أي أمل للانعتاق والتحرر الاجتماعي. بمراجعة التاريخ، يتبين بأن تشغيل الأطفال ليس وليد اليوم، بل عرف في العصر القديم قبل أن يتعزز في العصر الوسيط ثم في العصر الصناعي. بعد جرد لمختلف المراحل التاريخية، انكب البحث على دراسة الأسباب والأشكال الحديثة لهذه الظاهرة، لتبيان أنها ليست من بقايا الماضي، بل هي أحد الدعامات الرئيسية للاقتصاد الحديث. كما أنها ترافق التغييرات، التي طرأت على هذه الظاهرة في العديد من البلدان، والتي أظهرت بأن تشغيل الأطفال ليس بقدر مقدر، بل واقع اجتماعي، سياسي واقتصادي من الممكن تجاوزه. تؤكد جميع المجتمعات الريفية بأن عمل الأطفال يعود إلى حقب قديمة. في فترات كانت فيها معدلات الحياة قصيرة، كان الطفل ينتقل بسرعة من مرحلة الطفولة إلى سن المراهقة. أما فيما يخص الفتيات فكن يدربن باكرا على الأعمال البيتية قبل زواجهن في سن الرابعة عشر أو الخامسة عشرة. هكذا يشارك الطفل في الاقتصاد العائلي، يساعد النساء في المطبخ ويقدم يد المساعدة للرجال في الحقول، كما أنه يرعى الماشية أو يعمل في محترف والده. في العصر الوسيط، تطورت صناعة النسيج، التي جندت لها الأمهات والبنات، ودامت إلى غاية القرن التاسع عشر. فيما جند أطفال الطبقة الفقيرة كعبيد لدى العائلات الميسورة، وعملت الفتيات خادمات. ظهرت في هذه الفترة أشكال منظمة من الإيجار تتمثل في عقود «كراء» أطفال لدى عائلات أجنبية. كما كان يعهد بالأطفال لأرباب العمل وهم دون الثانية عشرة لمدة ثلاث سنوات. وكانت القوانين تختلف، حسب المدن والحرف، إذ كان بعض الأطفال يتقاضون أجورا عكس البعض الآخر. يد عاملة من دون عائلة ابتداء من القرن الوسيط، شكل اليتامى من الأطفال يدا عاملة ثمينة. إذ مقابل العناية بهم، كلفتهم المصالح الخيرية بأشغال في الخياطة، الطرز، التي كانت تسوقها هذه المؤسسات. وإلى غاية القرن التاسع عشر، «تزودت» المصانع في فرنسا وإنجلترا من دور اليتامى لتجنيد اليد العاملة. وعلى مستوى آخر، عرفت المدن الوسيطية انبثاق ظاهرة البغاء في أوساط القاصرين، التي كانت تشرف على تسييرها «أمهات يمتهن القوادة»، كما هو الحال اليوم في بومباي وهونغ كونغ. أما العائلات التي تعيش عن طريق الشحاذة، فكانت تلجأ إلى بتر أعضاء الأطفال لاستجلاب عطف الشارع. ويتكرر اليوم هذا الوضع في أكثر من قارة، وخاصة في القارة الآسيوية. وقد شكلت الثورة الصناعية نقطة تحول تاريخية في ملف تشغيل الأطفال. ذلك أنه في المجتمعات الريفية الأوروبية، كان من المألوف وضع الأطفال الفقراء وهم في سن التاسعة أو العاشرة كخدم في الضيعات. وفي أواسط القرن التاسع عشر، تم إحصاء 120 ألف من الخدم في مدينة لندن وحدها. كما أن نظام الخادمات بقي جاريا به العمل في فرنسا الريفية إلى غاية بداية القرن العشرين. في المدن الأوروبية والأمريكية الكبرى عمل الأطفال في مهن بسيطة مثل تسليم البضائع، بيع الجرائد، تنظيف القمامات...وفي باريس اشتغل الأطفال في المسارح، السيركات. في هذه الظرفية عرفت الثورة الصناعية انطلاقتها، وكان للأطفال، وهذا ما لا يتحدث عنه التاريخ، في معامل الفحم، النسيج، الخشب، دور حاسم. في فرنسا، وفي حدود 1840 كان الأطفال يشكلون نسبة 12 في المائة من عمال النسيج، الحديد والزجاج. وفي عام 1847 قدم قسم الإحصائيات الفرنسية العامة عدد 130000 طفل لم تتجاوز سنهم الثالثة عشر! كما جند الأطفال للعمل في مناجم الفحم، إذ بلغ عددهم سنة 1890 ما يقرب من 8300 طفل تتراوح أعمارهم بين 12 سنة و 16 سنة. واعتبرت البورجوازية الصناعية للقرن التاسع عشر أن العمل الذي يقوم به الأطفال هو عامل مساعد على استقرار السلم الاجتماعي على اعتبار أن الشغل يحميهم من الانحراف والبطالة. كما أنها طريقة تساعد العائلات المعوزة على العيش. غير أن عمل الأطفال في الصناعة سيكون له انعكاس مزدوج: إخراج الأطفال إلى حيز الوجود، في الوقت الذي كانوا يعيشون في الضيعات وفي البيوت بعيدا عن الأنظار. خروجهم إلى المصانع والمعامل كان من شأنه التعريف بوضعهم المأساوي، وخاصة التنديد بوضعهم الصحي. كانت إنجلترا أول من طبق مجموعة قوانين، وخاصة عام 1802 عبر تطبيقها قانون 12 ساعة عمل في اليوم، مقابل 10 ساعات في الولايات المتحدة. وابتداء من 1830 شدد مفتشو الشغل والأطباء على ظروف عمل الأطفال القاصرين والحوادث التي يتعرضون لها. وبعد وصول التقارير إلى نواب البرلمان، وتدخل بعض الأقلام مثل إيميل زولا لفضح هذا الوضع، تم إدخال تعديلات طفيفة على مراسيم تشغيل الأطفال، وخاصة منعهم من النزول إلى قاع المناجم، قبل بلوغهم سن العاشرة! وقد تحسن وضع الأطفال بدخول التربية الإجبارية. في العقود الأولى من القرن العشرين لا زلنا نعثر على بعض الأطفال المنحدرين من عائلات فقيرة يوقفون دراستهم، وقلة منهم هي التي تتابع دروس الثانوي. لكن نظام المعاشات الاجتماعية ساعد العائلات على إرسال أبنائها إلى المدرسة. ويبدو من الواضح أن دخول الأطفال إلى المعامل هو الذي ساعد على انبثاق النقاش العمومي وعلى تقليص تشغيل الأطفال حيث أحدثت المقارنة بين هذا الشغل ووضعية الطبقة البروليتارية الفقيرة. عرفت وضعية الأطفال وعملها في الوسط المهني تطورات هائلة. رافقت هذه الوضعية شفافية على مستوى الإحصائيات. بالقرب منا نجد أن العدد تقلص بشكل ملحوظ، وخاصة في المهن الخطيرة بمعدل 24 في المائة. كما أن الفارق بين الذكور والإناث تقلص حتى إن ظلوا يشكلون الأغلبية بعدد يناهز 40 مليون طفل. وفي الدول النامية، غالبا ما تقوم الفتيات بالأعمال المنزلية (الفلاحة، الطبخ، أشغال جلب الماء...) وهن أقل تمدرسا من الأطفال الذين تعقد عليهم العائلات الأمل في تغيير الأوضاع. على مستوى الدول النامية، يلاحظ أن القطاعات الكلاسيكية التي يعمل بها الأطفال لم يعترها أي تغيير. إذ هناك قطاع الخدمات (لا يخضع الأطفال للتصريحات الرسمية)، التجارة (المقاهي، المطاعم، المحلات التجارية)، السياحة، (الفنادق، مساعدو الطبخ، عمال في الشواطئ، عاملون في ملاعب الغولف)، الصناعة، (ورشات البناء، النسيج)، أما في خفر المناجم فيعمل مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 17 سنة. أما ميدان الاستغلال الجنسي وممارسات الدعارة والإنتاج البورنوغرافي فيبقى إحدى الآفات التي يتعرض لها الأطفال بشكل منهجي ومنظم. وحسب الإحصائيات التي يقدمها المكتب الدولي للشغل، فإن مليوني طفل يتعرضون للرق الجنسي. كما أن التحرش الجنسي بالقاصرين قفز إلى معدلات مخيفة بسبب التصورات الرائجة حول أن داء الإيدز غير متفشٍّ في أوساط القاصرين مثلما عليه الشأن في وسط البالغين. ومنذ الثمانينيات عرفت الدول السياحية ظاهرة جديدة خطيرة، ألا وهي السياحة الجنسية، التي يمكن أن نميز فيها بين طبقتين أو مجموعتين: تتشكل الفئة الأولى من السياح الذين يؤدون مبلغا لممارسة الجنس. إذ إن استغلالهم يتوقف على شبكات منظمة يغذيها أطفال ينحدرون من الأرياف الفقيرة أو يعيشون في الأزقة يقعون في قرصنة قوادين يضعونهم في بيوت للدعارة. أما الفئة الثانية فتتشكل من قوادين يقع اختيارهم حصرا على جهات معينة. يتبادلون العنوانين على الإنترنت أو يتصفحون المؤشرات السياحية أو مواقع الويب التي تقدم الفنادق التي تسمح بهذه المعاملات الجنسية. كما أن بعض الشركات السياحية تقترح وجهات تمارس فيها بكل طلاقة هذه الممارسة مثل التايلاند، الفيليبين، الكمبودج...، وقد تابع القضاء على سبيل المثال شركة السياحة الأمريكية «بيغ أبل لأسفار الشرق». ويلاحظ اليوم تطور سياحة جنسية جنوب-جنوب، إذ يحل رجال الأعمال الصينيون بدول آسيوية مجاورة لممارسة الدعارة مع قاصرين. كما انبثق شكل آخر يخص دول الاتحاد السوفياتي سابقا. غير أن هذا التطور الجغرافي لا يغير من طبيعة السياحة الجنسية. ذلك أن سلطة المال تبقى المحدد والمقرر الأول في هذا التصور الاستهلاكي للجنس. فعولمة تجارة الجسد لا زالت تمارس على حساب الضعفاء. أطفال الحرب ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها، ألا وهي حمل الأطفال للسلاح والدفع بهم إلى جبهات القتال. وليست الظاهرة بجديدة، بل عرفتها على فترات متباينة العديد من المجتمعات. اليوم لا يزال الأطفال يشاركون في المعارك في أكثر من مكان وقارة، وبالخصوص داخل تنظيمات تتعاطى حرب العصابات، في أماكن مثل رواندا، البوسنة، لبنان، العراق، التشاد، النيبال، الصومال، بيرمانيا. في الصومال، البلد الذي تفترسه حرب أهلية منذ 1991، يعتبر الأطفال طرفا رئيسيا في الحرب الدائرة بين الحكومة والمتمردين من الشباب. كما أن تحرير السجناء من الأطفال يتحول إلى مجابهة بين الحركات المسلحة والجمعيات غير الحكومية أو وكالات الأمم المتحدة. كما أن إعادة إدماج هؤلاء الأطفال تصطدم بصعوبة كبرى، أهمها النقص في الإمكانيات والبنيات. أما وضعية الفتيات اللائي لهن أطفال ولدوا نتيجة اغتصاب، فهي أصعب بكثير لأن هؤلاء الفتيات يتم لفظهن من طرف عائلاتهن. يجب محاربة الفقر من أجل الحد من تشغيل الأطفال للقضاء على تشغيل الأطفال، يجب محاربة مسبباته. وفي هذا المجال بدأت بعض الدول في القيام بعلاجات واعدة. بلد مثل البرازيل، الذي كان محط اتهام سنوات من طرف المحافل الدولية في موضوع تشغيل الأطفال، قام بمجهودات كبيرة لتقليص أعداد الأطفال المشغلين، بواسطة سياسة للمراقبة والشراكة الاجتماعية والاستثمار في التربية ومحاربة الفقر. دامت هذه التعبئة زهاء عشرين عاما. انتخاب الرئيس لولا عام 2002، الذي كان بدوره من أطفال التشغيل وهو في السابعة من عمره، شكل نقطة تحول في التعامل مع الملف. إذ خصصت منح مدرسية وعائلية للأطفال لمتابعة الدراسة بدل الخروج إلى سوق العمل السري. أصبحت البرازيل اليوم بلدا نموذجيا. كما طبقت بلدان مثل الشيلي، نيكاراغوا، كولومبيا، برامج مماثلة وجدت ترجمتها في ارتفاع معدل التمدرس بنسبة 30 في المائة، حسب إحصائيات البنك العالمي. وقد خاضت بعض دول آسيا وإفريقيا (الكامبودج، أندونيسيا، البنغلادش، نامبيبيا، المالاوي) تجارب مشجعة ساهمت في تحسين تمدرس الفتيات بوجه أخص، وانتشالهن بالتالي من التشغيل المبكر. إن اللجوء إلى القانون لمنع تشغيل الأطفال لا يشكل حلا ناجعا في غياب طرح بدائل عملية، اقتصادية، سياسية وسيكولوجية واجتماعية. إنه الرهان الذي خاضته بعض الدول بغية وضع حد لآفة اجتماعية واقتصادية تنزع عن الأطفال، وهم أمل الشعوب، كل إنسانية.
المعطي قبال
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)