كتبه سعيد السلماني في:5/01/2011
هل الإنسان المغربي يعيش في اطمئنان وسلام دون هواجس تؤرقه وتقض مضاجعه؟ فما هي هذه الهواجس إذن ؟ كثيرة هي هواجس الإنسان المغربي فعلى الكل الاجتماعي تتحدد في ما هو أمني ،واقتصادي، وثقافي ، فالهاجس الاقتصادي يتفاقم يوما بعد يوم مما يفاقم الوضع الاجتماعي ويحدث رعبا في النفوس وكثيرة هي العبارات الدالة على ذلك مثل :" اقض وسلك " "التدويرة" أو الرشوة وتفاقمها وانتشار الدعارة والتهريب والمخدرات بكل أصنافها وظاهرة السعاية...الخ أما الهاجس الثقافي فكل مغربي يأمل أن يكون مثقفا أو على الأقل قارئا فالحديث مع الشريحة الذي أخطأها النظام التعليمي يوحي لك بأن هناك خللا ما في النظام التعليمي. فكثيرة هي الاختلالات التي تعيق المتعلم المغربي وللتدليل على هذا الواقع نقف ولو باختصار مع سيرة هذا المتعلم الذي يقضي جل أوقاته مترددا بين الأسرة والمدرسة ،وهذه الأخيرة تعتبر المحضن الأساسي في تشكيل هوية الطفل ،فهي التي تنتج لنا إنسانا مثقفا أو محسوبا على الثقافة ، فهذا المحضن مع الأسرة إما أن تخرجا لنا إنسانا يهوى العلم أو يهوى مشاهدة التلفاز ويكره الكتاب ، ومن ثم إنتاج أو إعادة انتا ج الظاهرة الشفوية . إن الأمر يتعلق بجميع المراحل التعليمية وتأتي مرحلة الجامعة تتويجا لتلك المراحل مصلحة أو متممة لما فقده الطالب في الطور الابتدائي والثانوي ، إلا أن الأمر لا يزيد عن سوق للاستهلاك وإنتاج المستهلك الماهر لا المبدع المنتج فجامعتنا المحترمة ما تنتجه يدل على التصنيف الذي احتضنته في المحافل الدولية فالإنتاج الذي تقدمه لا يزيد عن إعادة إنتاج لطلبة همهم الوحيد هو التفكير في اليومي والانشغالات الذاتية وللتدليل على ذلك هناك عبارات كثيرة تردد في الأوساط الطلابية مثل: "للي قرآ طفروا" أي ما ذا فعل السابقون بالقراءة؟ بمعنى أن ظاهرة البطالة تمثل شبح وهاجس كل طالب فأفواج المعطلين الذين يحجون كل سنة إلى الرباط تتزايد ، ومثل عبارة "للي معاندو ما يدير يجي الكلية يتسلى "وكذا " نديو الشهادة نعلقها فدار " وغيرها كثير مما يدل على أن هناك إحباطا عميقا في الأوساط الطلابية ،وهذا أدل دليل على الخلل الذي ينخر المنظومة التعليمية في بلادنا . إن جامعاتنا أصبحت تشكو من الأطر العلمية الحقيقية والمسؤولة ، فالجو العام ينطبق عليه المثل العربي الذي يقول" تمسك غريق بغريق" أين هو الإنتاج العلمي ؟ أين هو ذاك المعلم الذي كاد أن يكون رسولا ؟ أين المعلم الذي كان يعتبر الطالب ابنا والابن طالبا...الخ؟ لقد أصبحت ظاهرة السلطوية متجذرة في حقل تعليمنا ،والتعليم القائم على السلطوية ينتج لنا مجتمعا متسلطا يهوى التسلط والقمع ومصادرة الحرية والاغتراب وظاهرة السمسرة ...الخ إن التعليم الحر المعاصر يقوم على المشاركة والإبداع وإعطاء الحرية للطالب، ومن ثم انتشال المبدعين من براثن السلطوية وإعطاء فرصة أكثر لأولاد الشعب، إلا أن جامعاتنا تتميز بميزة خاصة وهي إنتاج الفاشلين أو إعادة إنتاج الوضع القائم، فالتعليم الذي يقوم على التلقين وقمع الطالب وعدم إتاحة الفرصة له وإعطاء الأهمية القصوى للامتحان الذي أصبح شبحا يخيف الطلبة ويتخوفون منه ،فكم من طالب أصيب بوعكة صحية ،وكم من طالبات أغمي عليهن يوم الاختبار ، أو يوم تعليق النتائج ، إن التعليم الذي يقوم على العنف والتعسف والقهر والتسلط ومصادرة الحرية لهو أقصر الطرق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع . إن ما يزيد هذا الوضع تأكيدا هو شبح الامتحانات هذه الأيام فهناك استنفار وحركة قل نظيرها في صفوف الطلبة ،فالكل يتحدث عنها وكأنها كل شيء من لا شيء، فهاجس الامتحان يؤرق الطالب هذه الأيام ،فعند حلول موسم الامتحانات تنتعش الكثير من الظواهر الموسومة بالنبذ الاجتماعي كالغش والزبونية والمحسوبية والهرج والمرج كما تنتعش الاقتصاديات الهامشية مثل: دور النسخ، والأكلات الخفيفة، وبائعي الحلوى أمام الكليات ،كما تمتلئ المقاهي بالقراء الشباب حتى ليخيل لزائر المغرب لأول وهلة بأن القراءة في المغرب في صحة جيدة ،حتى إذا أدركته زيارة أخرى لم يجد شيئا ،ووجد المقاهي عن آخرها بمشجعي البرصة والريال ، وآخرين أخطأهم الشغل متجمعين على إبريق من الشاي يحتسونه ،وكلما أحسوا بأنه فقد حرارته ينادون على النادل ،ما لهذا الشاي فقد سخونته؟ إن شمولية التقويم يتطلبان إعادة بنائه على وسائل وأدوات متنوعة ،إلا أنه يكون في جامعتنا من خلال وسيلة واحدة وهو الامتحان ومن ثم يترتب عن ذلك مخاطر عديدة منها على سبيل المثال ما يلي : _ التأثير على الحالة النفسية للطلاب _ بروز النزعة الفردية والتنافس السلبي _ تفشي ظاهرة الغش واستفحالها _إرهاق أولياء أمور الطلبة _ غياب الإبداع وتكريس ظاهرة الاستهلاك الثقافي عن طريق بلع ومضغ كل البضاعة التي تم الترويج والتسويق لها في الفصل...الخ إن تعليمنا بشكل عام لا ينبني على الابتداع والبحث والتنقيب والكشف والاكتشاف ،بل يعتمد على الاستقبال الذي يقوم الخضوع والتنفيذ الآلي ،فعبارة "شعال جيبت في النتيجة "،تعكس قلق الأهل والأصحاب، ودليل على تضخم هاجس الامتحان وإعطاء الأهمية للشهادة بدل العلم ، فهذا الواقع لا ينتج لنا أكثر من كوادر يجب إعادة النظر فيها . إن أسباب هذا الأمر الواقع كثيرة منها ما أتينا على ذكره في ثنايا هذا المقال والبعض الآخر يرجع في رأي الكثير من الباحثين إلى خلل ونقص في الرؤية الجادة والواضحة والنابعة من تربة الوطن في إصلاح النظام التعليمي. إذن لا بد من إيجاد رؤية وإرادة سياسية واضحة وقوية ،فبدونهما لا ، ولم ، ولن نحلم بمثقف هاو ومحترف،أوتقني منتج ،أو سياسي صادق وأمين،أوموضف محب لعمله ومسؤول...الخ. إن الحديث عن الحقل التعليمي بالمغرب يحتاج إلى شرح وحاشية، إلا أن ما يجب التأكيد عليه ، هو أن تعليمنا في خطر وربما يحتضر،ولا بد من تداركه قبل فوات الأ وان ،فالحرب حرب المعلومة ومن يبدع وينتج المعرفة يتحكم ،وهو مطلب الطامحين الحالمين لأن يتبوءوا مواقع متقدمة في العالم ، ومكان إنتاج هذا التبوء وتحقيق هذا المطمح لم ولن يخرج حقل التعليم ،فانتبهوا يا أولي الأبصار.