ما هي المميزات الأساسية لكل من وظيفة الموارد البشرية ومصلحة الموارد البشرية؟ ما هي الجوانب المميزة للمرحلة الأولى المتعلقة بتطور تدبير الموارد البشرية ثم ما هي المكونات الأساسية للنظام أو للنسق التدبيري وما هي طبيعة وظيفة الموارد البشرية العملية؟ وما هي أيضا طبيعة النظرة الاستراتيجية لتسيير المقاولات وما هي أهمية تدبير الموارد البشرية في إطار هذه النظرة. يمكن القول على أن الموارد البشرية عامل أساسي في الرفع من قدرة المقاولة على التنافس وذلك لاعتبارات عدة الأولى مرتبطة بالنمو الديموغرافي إذ نلاحظ ارتفاع سن العاملين بالمقاولات مقابل انخفاض مستواهم التربوي بالإضافة إلى كون المقاولات لا تولي اهتماما كبيرا بهذا الأمر، والاعتبار الثاني يتمثل في سلوكات المستخدمين على زبائن المقاولات فمن المعلون أن الزبون هو رهان التنافس وأن سلوك المستخدمين يؤثر على الكفاءة التجارية للمقاولة لذا فإن الموارد البشرية مجيرة على توضيح هذا الأمر للمستخدمين وتوعيتهم ودعمهم بسلوك يرضى عنه الزبون. والاعتبار الثالث هو أنه على مسوؤلي المقاولات أن يحسنوا علاقاتهم مع مستخدميهم ذلك أن مبدأ السلامة في العمل بدأ يضمحل وأن الشركات لم تعد قادرة على توفير العمل مدى الحياة وبالتالي فإنها مجيرة على استشارة العمال في كل قرار يهمهم أو يمسهم. -إعطاؤهم فرص الترقية المهنية. -منحهم نظام أجور تنافسي. الاعتبار الرابع والخامس يقتضيان على التوالي تدبير التغير أو التحول ووضع الاستراتيجيات فالمقاولات عليها أن تعلم كيف تدبر التغير وأيضا كيف تجعله مقبولا لدى العمال أما العمل استراتيجيا فهو السؤال عن كيف يجب توطين الموارد البشرية وأي إدارة يجب أن تتخذها المقاولة، ذلك أن العديد من المقاولات يضع لها مخططوها استراتيجيات ولكنها لا تعرف طريقها إلى التفنيد بسبب تجاهل المستخدمين وعدم اشراكهم. الاعتبار السادس يتمثل في كون الموارد البشرية تخلق تنظيما بدون كحدود إذ داخل المقاولات أصبحت تتكسر الحدود بين الإدارة والمستخدمين، بين الإدارة والزبون والممونين. عرف ميدان تدبير الموارد البشرية منذ مطلع القرن العشرين، سواء على المستوى المفهومي أو التطبيقي عدة تحولات نجملها في ثلاثة مراحل: -المرحلة الأولى غطت السنوات من 1920 إلى 1960 وتعتبر هذه الفترة القوية المعروفة بتسيير الموظفين والمستخدمين وتضمنت تسيير علاقات الشغل أو العلاقات بين الباترون والنقابات) بالمعنى الضيق للكلمة. -المرحلة الثانية هي مرحلة 1960 إلى 1980 وهي الفترة التي تمت فيها الاستعاضة تدريجيا أو الانتقال التدريجي من تسيير المستخدمين إلى تدبير الموارد البشرية. -والمرحلة الثالثة من 1980 إلى يومنا هذا وتميزت بالاستعمال المكثف للمفاهيم والنماذج ونتائج البحوث والدراسات الميدانية والنماذج المستخلصة من تيار استراتيجيات المقاولة وهي التي عرفت بالتدبير الاستراتيجي للموارد البشرية والكفاءات. المفاهيم الرئيسية من الصعب جدا تتبع تطور تدبير الموارد البشرية دون التمييز بين وظيفة ومصلحة الموارد البشرية. فتسير أو تدبير المستخدمين هو مفهوم استعمل عامة في الماضي ويهتم بالتوظيف والاستقطاب والانتقاء والتكوين والتقويم والملاحظة والأجر ومن خلال ذلك يتضح الطابع الإداري للتسيير المتمحور حول استخدام سياسات وإجراءات متعلقة بقانون الشغل بالنسبة للمستخدم ولكن مع إدخال نظرة متكاملة وشاملة لكل هذه الأنشطة ومع النظرية الجديدة للمستخدم كفاعل وكمورد ـأصبح تعير تدبير الموارد البشرية مركزا على تزويد المقاولة بيد عاملة منتجة وثابتة( ) وراضية هذا التعريف يشمل ثلاث أنشطة أساسية هي الاستيعاب والمحافظة والتنمية. أ-الاستيعاب يتمثل في تحديد الوظائف أو المهام والتخطيط والموارد البشرية والتوظيف/ الاستقطاب ثم الانتقاء والاستقبال. ب-التنمية وتشمل تحديد الحاجيات، حاجيات التكوين لدى مختلف المستخدمين وضع يراجع تكوينه وتقويمه، هذه الأنشطة تساهم في استيعاب المعلومات وتحسين الكفاءات وربما تقلد مسؤوليات أكثر أهمية: الترقية. ج-المحافظة وتحوي أنشطة التقويم والمردودية وتدبير الأجر والامتيازات الاجتماعية، وتكون داخل المقاولة اتفاقيات جماعية تؤطر مختلف القرارات المتخذة من هذا الجانب وذلك فالمفاوضات التي تتوج بمثل هذه الاتفاقيات تأخذ حيزا مهما من وقت المتخصصين في علاقة الشغل. التمييز بين وظيفة الموارد البشرية ومصلحة الموارد البشرية يفرض نفسه، فالأولى تمثل مجموع المسؤوليات التي ينبغي تحملها من طرف كل إطار فاعل ذو سلطة إدارية في تعاطيه لقضايا المستخدمين بشكل عادل أما الثانية فهي الوحدة الإدارية التي تجمع مختلف التخصصات في الموارد البشرية والذين من مهامهم الدعم الإداري: النصائح والمساعدة التقنية والتنمية والمحافظة على الموارد البشرية. وإذا كان يبدو واضحا على المستوى المفهومي أو النظري فإنه عمليا يبقى التداخل حاضرا وبدرجات متفاوتة حسب مراحل التطور في كل ميدان. في مطلع القرن العشرين مع غياب مصالح المستخدمين كان على المديرين أو المسيرين تحمل مسؤوليات الكراء والعلاج مثلا للمستخدمين ولكن مع حلول المصالح المتخصصة والمهيكلة للمستخدمين أصبح المديرون أو المسيرون منهمكين في المشاكل الاقتصادية والتقنية المرتبطة بالعمليات مما فسح المجال للمتخصصين في قضايا المستخدمين لتحمل مسؤوليات مهمة في هذا الميدان إلى درجة تداخلت فيها الوظيفة بالمصلحة( ). أما الآن فيلاحظ عودة التوازن على ذلك أن الموارد البشرية أصبحت من الأهمية بحيث تمثل الكفاءة التنافسية للمقاولات حتى أن إدارة المقاولات أصبحت تتخذ القرارات المهمة بمعية اختصاصيين هذا الميدان واعتبرت الموارد البشرية مسألة الاستراتيجية. النظرية السلوكية للمقاولة كامتداد لأعمال سيمون فCYERT وMARCH هيأ نظرية السلوك على الشكل الذي لها كهدف هو تفسير قرارات المقاولات انطلاقا من الملاحظة فنظريتهما بنيت على أسس أربعة: -شبكة حل النزاعات QUASI RESOLUTION DES CONFLITS : فالتنظيم ينظر إليه كائتلاف أو تحالف بين الأفراد الذين لهم أهداف مختلفة، وأهداف التنظيم تعالج كإكراهات يجب إشباعها إذ يجب على التنظيم أن يواجه بشكل دائم النزاعات الموجودة بقوة الإجراءات المستعملة لحل النزاعات هي: .العقلانية المحلية: لحل المشاكل والنزاعات يجب تقسيمها إلى مشاكل صغرى مرتبطة بأجزاء صغرى من التنظيم على أن يحل كل جزء من التنظيم مشكلته بعقليته الخاصة محترما فيه إكراهات الأهداف. .المعالجة التسلسلية للمشاكل: كل وحدة تعالج المشاكل الواحد تلو الآخر دون جمعها في حل أكثر شمولية. -إبعاد أو إقصاء اللايقين أو الاحتمال: التنظيم يبحث عن تجنب الاحتمال أو اللايقين بطريقتين، توضع إجراءات داخلية التي تتمكن من التفاعل بسرعة مع ردود الأفعال التي يصدرها المحيط بالإجابة على عمليات التنظيم والحوار مع المحيط حول الشروط الثابثة للنشاط (مثلا تاريخ التسليم…) البحث عن الإشكالية: التنظيم يتفاعل مع المشاكل التي يفرزها المحيط: إذا كان المشكل سهل التحديد نطبق عليه الإجراء العادي أو المعتاد (مثلا تخفيض المخزون إلى مستوى ضعيف يؤدي إلى طلب) وإلا تتدخل سيرورة البحث من جديد لملامسة المشكل وإيجاد حل ملائم هذا البحث يأخذ الخصائص التالية: -هذا البحث يتحرك بفعل مشكل. -يبقى قريبا من التجليات الأولى للمشكل دون البحث عن الأسباب الرئيسة ولا يتوجه إلا إلى الحلول العادية أو المعتادة دون البحث عن التجديد. - إنه مرتبط بالتجربة المكتسبة وبالمشاكل الداخلية. -التعلم: التنظيم يبرهن إذن عن بعض الخمول أو الكسل الذي يترجم بسلوكات ليست نهائية. -تكيف هذا الأخير مع محيطه على المدى المتوسط والبعيد ويتحقق بسيرورة التعلم التي تقوم على ثلاثة نقط: .الأهداف: التنظيم يعدل أهدافه بدلالة النتائج المحصل عليها مقارنة بالأهداف السابقة وبالمقارنة مع تنظيم مماثل. .قواعد الانتباه بمراعاة محيطها وبفعل المعايير الخاصة، التنظيم سيتجه إلى تعديل مناطق (جمع منطق) وقواعد الحراسة.(Surveillance ). .قواعد البحث: القواعد تتطور بفعل أشكال فشل القواعد المقبولة ونجاح القواعد الجديدة.( ) باختصار في إطار نظرية سلوك المقاولة فسيرورة اتخاذ القرار يمكن اختصارها في الشكل التالي: .انطلاق من مشكل ينشأ عن مقارنة معلومة مصدرها من المحيط بالأهداف. تقسيم المشكل إلى مشاكل صغرى وتعالج هذه الأخيرة في أجزاء مختلفة من التنظيم. كل جزء من التنظيم يحاول معالجة المشكل انطلاقا من أجزائه الخاصة المألوفة ولا يبحث عن حل آخر غير المألوف إلا إذا كان هذا الأخير غير مجد. هذا البحث ينتهي عندما تصل إلى حل مرض. الحل الشامل أو النهائي للمشكل يتكون من مجموع الحلول لكل جزء من التنظيم أو مجموع حلول المشاكل الصغرى.
المدرسة النسقية إن أهم شيء يميز هذه النظرية هو دراستها للتنظيم كنسق ودراسة هذا الأخير تتوقف على دراسة أجزاء هذا النسق، واعتمادها المتبادل كل على الآخر وبذلك تكون هذه المدرسة قد غيرت المستوى المفاهيمي للتنظيم وعلى هذا الأساس نتساءل ما هي الأجزاء الأساسية في النسق؟ وما هي طبيعة العمليات الرئيسية في النسق؟ والنسق هو ما يتكون من مجموعة من الأجزاء أو العناصر التي تعمل معا لإنجاز وظيفة محددة وقد يكون بسيطا أو معقدا كما قد يكون مفتوحا أو مغلقا( ). مع النمو الذي عرفته سنوات الخمسينات، السبرنتيقا مارست تأثيرا مهما على علوم الإنسان الشيء الذي دفع Berthalonffy, ludon Von صاحب النظرية العامة للأنساق الذي أعلن نظرية لا تطبق فقط على الأنساق الخاصة بل على الأنساق بصفة عامة، السبرنتيفا موضوعها الأساسي هو دراسة التداخلات بين الأنساق الحاكمة (أو أنساق المراقبة) والأنساق المحكومة(أو الأنساق الإجرائية) في أوساط محكومة بسيرورة ردود الأفعا، في حين أن النظرية العامة للأنساق هدفها هو تشكيل تكوين مبادئ صالحة لكل الأنساق ولاستخلاص النتائج منها، وإذا راعينا وجود نماذج وقوانين تتطور بطريقة مستقلة في ميادين مختلفة فالنظرية العامة للأنساق ستكون إذن نماذج صالحة لتفادي أي مضاعفة غير صالحة للشغل. هكذا النظرية العامة للأنساق ستكون أداة تمنحنا من جهة نماذج مستعملة من طرف الجميع وقابلة للانتقال أو التحول من الواحد إلى الآخر ومن جهة ثانية تجنبنا من التحاكي أو التشابه العام بين الأدبيات. وهناك مجموعة من التعاريف النسقية للتنظيم ويمكن تعريفه كمجموعة من الأجزاء في تفاعل أو تداخل وفي علاقة بعضها مع البعض الآخر. هذا التعريف يركز على دينامية العناصر الداخلية للتنظيم ويعتبره كنسق مغلق متجاهلا بذلك علاقته مع المحيط في حين أن هناك تعريف أكثر شمولية يعتبر التنظيم كنسق يستورد بعض العناصر من محيطه ويحولها ثم يصدرها إلى المحيط ثانية ويضع حدا للنسق المغلق. من الآن فصاعدا يجب اعتبار التنظيم كنسق مفتوح بهذا يمكن اعتبار المدارس الكلاسيكية التنظيم الإداري للعمل والتنظيم العلمي للعمل والبيروقراطية الإدارية وأيضا مدرسة العلاقات الإنسانية كأنساق مغلقة. مقاربة النسق المفتوح تعتبر المحيط كمحدد أساسي في التنظيم وكمنبع لا يقين هذا الأخير. بالرغم من كون مقاربة والأنساق المفتوحة قد تطورت انطلاقا من الستينات فإنه مع L.TRIST سنة 1951 نظرية الأنساق وتحليل التنظيمات أخذت توجهها النهائي. بعد ذلك بمشاركة E.Emesy ومجموعة Tavistock Institu of relations المنشئة سنة 1946 ب Londres خرجت النظرية أو المقاربة السوسيوتقنية للتنظيمات إلى الوجود. وبذلك اعتبرت المقاولة كنسق سوسيو تقني مفتوح لأنها في تبادل مستمر مع الخارج وبالطبع فالتدبير لا يجب أن يهتم فقط بتدبير العلاقات الداخلية بالمقاولة ولكن أساس بتدبير العلاقات مع المحيط للحفاط على التوازن الدينامي. بهذا الصدد المدبرين أو الموجهين داخل المقاولات يجب أن يكونوا نفس الوقت متخصصين في العلوم الاجتماعية وفي l’ingineering المقاربة السوسيو تقنية كما هي مقدمة هي التوفيق بين الاشتغالات حول أهمية التكنولوجية والأشغال حول أهمية النسق الاجتماعي في التنظيم، بصريح العبارة المدرسة النسقية تفترض انفتاح المقاولة على محيطها والأخذ بعين الاعتبار هذا الأخير في كل أشكال التحليل التنظيمي.أخذ بعين الاعتبار الأهمية التي تعطيها سيرورات ردود الفعل فإنها تبقى المقاربة الدينامية وصالحة إذن لكل وقت. يجب الإشارة في الأخير إلى أن المدارس والحركات السوسيولوجيا للتنظيمات ليست هي الوحيدة بل هناك امتدادات لهذه المدارس ويتعلق الأمر بالماركسية والوجودية والفوضوية anarchisme والتفاعلية( ).
-J.M. Perretti : ressources humaines et gestion du personnel vuibert 1984 pp11.37
- J.M.Peretti. gestion des ressources humaines . Vuibert 1992. Pp30-45.
- محمد علي عبد الرزاق حلبي مرجع سابق ص 172.
-مصطفى أحمد تركي مرجع سابق، صص29-55.
|