الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

عام الحزن المعرفي.. وداعا عقلي!


عندما ينتهي العقل يبدأ الجنون.. حكمة سمعتها من مثقف مغمور لكنه يكره التسلط والظلم أنى كان مصدره ومأتاه... وداعا عقلي حكمة سمعتها هي أيضا من مثقف لم يعد يثق بالسياسة ولا السياسيين، حين يكب في جوفه كؤوسا من الويسكي الرخيص المهرب من مدننا المحتلة من لدن الجارة الشمالية، يبدأ في تذكر ما حفظه من أشعار ومناهج فلسفية وإيديولوجية ويقوم بتبسيطها للعامة من الناس الذين يجذبهم الفضول للتحلق حول هذا السكير المحترم، فلما يحس صاحبنا السكير المثقف بأنه لم يعد يستطيع أن يجيب عن سؤال محدد،أو لا يقدر أن يتلفظ جملة صحيحة نحويا ودلاليا ومعجميا، يضحك من نفسه تلقاء نفسه ويقول حكمته  الرائعة: وداعا عقلي.

هي الحكمة ضالة المؤمن، قد يكون مصدرها مجنونا أو أحمق أو طفل صبي أو رجل غر بسيط وساذج، فحين ينتهي العقل يبدأ الجنون، وحين يبدأ الجنون لم يعد بدا من الإقرار والتأكيد على أن العقل محكوم عليه غيابيا بمدة زمنية تقاس بدرجة الوطن والأمة والانتماء والهوية والحضارة والثقافة، العقل هنا نقصد به المفهوم العام المشترك بين جميع التحديدات والتعريفات والحدود الثقافية والفكرانية بصرف النظر عن المجال التداولي المعيش، قد يكون العقل منسوبا إلى فرد معين بالتحديد، وهنا يصبح مناطا للتكليف كما في القوانين والشرائع السماوية والأرضية، كما قد يكون العقل منسوبا إلى وطن أو أمة معينة، كأن نقول العقل الأوربي والعقل العربي والعقل الإسلامي ويغدو في هذه الحالة مناطا لتحمل الأمانة، وحملها الإنسان... إنه كان ظلوما .

 فالعقل الفردي هو صانع التقدم عن طريق ملكة الإبداع حين يعرف هذا الإنسان الفرد كيف يتصرف بهذه الملكة في ظل وجدود فضاء يحمي المعرفة ويؤسس لثقافة السؤال، كما أن العقل الجمعي هو صانع الحضارة وطارد للتخلف، ومؤسس للوعي الجمعي الذي يتنزل عبر المؤسسات المتنوعة والفاعلة في تثبيت القيم والمبادئ العامة التي تنشئ الثقافة العالمة التي تجد ضالتها في قلق السؤال وثقل المسؤولية، إنه السؤال المسؤول، أو مسؤولية السؤال، فالأمر سيان، فكلاهما في حاجة إلى المثقف المسؤول الذي يراعي الهموم العامة ويضيء للأمة طريقها الثقافي، ويعيد لها مجدها المعرفي عبر الكلمة والفكرة والنص وباقي أنواع الفنون المتنوعة كالشعر والموسيقى والسينما والمسرح.

 عام 2010 كان عام حزن للعقل العربي والإسلامي، لقد ودعتنا جمهرة من المفكرين والمثقفين الكبار، لقد رحل عن دنيانا مثقفون ومفكرون من الطراز العالي وأصاحب مشاريع فكرية تقوم مداميكها على التبين المعرفي المتماسك والقوي، هذا العام هو عام الحزن ولا ريب إذا ما تذكرنا عدد المفكرين والمثقفين الذين ودعوا عالمنا المشهود إلى العالم الأخروي الموعود. لنحاول أن نتذكر !

 في هذا العام، عام الحزن الثقافي والمعرفي، رحل عنا المفكر المغربي الأستاذ محمد عابد الجابري يوم 03 ماي من هذا العام عن سن يناهز 75 سنة، والجابري يرحمه الله اشتهر في مجال دراسة التراث العربي ونقد العقل العربي والأبحاث الحضارية والإسلامية، كما رحل كذلك الكاتب المبدع أحمد عبد السلام البقالي الذي وافته المنية يوم 30 يوليوز من نفس العام عن سن يناهز 78 سنة، ويعتبر المرحوم من رواد القصة والرواية بالمغرب، ولا أعتقد أن تلميذا درس في المدرسة المغربية لم يقرأ له نصا جميلا يعبر عن الهوية الثقافية لجزء من مغربنا الغالي، أي منطقة الشمال وما جاورها، كما رحلت أيضا الأديبة المغربية الدكتورة الصالحة الرحوتي يوم 16 ماي من نفس العام، حيث شغلت الراحلة عضوا في كثير من المؤسسات الثقافية وحصلت على بعض الجوائز الأدبية.. ورحل أيضا المفكر المصري الدكتور فؤاد زكرياء يوم 11 مارس من نفس العام، عن سن ناهز 83 سنة تاركا وراْءه عددا كبيرا من المؤلفات الرصينة التي أغنت المكتبة العربية، وفي عالم الصحافة ودعنا أيضا الكاتب والصحافي المصري الساخر محمود السعدني، حيث وافته المنية يوم 4 ماي من نفس العام عن سن ناهز 83 سنة، مخلفا وراءه كتبا رائعة في عالم السخرية مثل "مسافر على الرصيف" و " ملاعب الولد الشقي" و "وداعا للطواجين" و " رحلات بن عطوطة" ..وكثير من الكتب والإصدارت والمقالات، وفي عالم الدراما ودعنا أيضا أسامة أنور عكاشة الذي توفي يوم 28 من نفس العام، فبالرغم من اشتهار الراحل بكتابة المسلسلات التلفزيونية في السنوات الأخيرة، هو أيضا قصاص وروائي من جيل الستينات... كما رحل أيضا الناقد فاروق عبد القادر يوم 22 يونيو عن سن ناهز 72 سنة، ورحل أيضا الشاعر المصري محمد عفيفي مطر يوم 28 من يونيو عن سن ناهز 75 سنة مخلفا وراء مجموعة أضمومات شعرية من بينها " من دفتر الصمت" و " ملامح من الوجه الامبادوقليسي" و"الجوع والقمر" ودواوين أخرى حبرها عبر أزمنة متنوعة من مسيرته الشعرية.

وأما على الصعيد الأغنية العربية المعاصرة فقد توفي الشاعر محمد حمزة يوم 18يونيو، ومحمود حمزة قد كتب لأشهر المطربين العرب وفي مقدمتهم عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وهاني شاكر وسميرة سعيد وغيرهم.

كما توفي أيضا المفكر نصر حامد أبو زيد يوم 5 يوليوز عن سن ناهز 67 سنة، ولنصر حامد أبو زيد عدد من الدراسات نذكر منها " الاتجاه العقلي في التفسير، ودراسة في المجاز عند المعتزلة، ومفهوم النص، وغيرها من المؤلفات والأبحاث، ونصر حامد أبو زيد لم "يشأ" إلا أن يأخذ معه المفكر المصري عبد الصبور شاهين الذي كانت بينهما مرافعات ثقافية وفكرية، كما أن الدكتور عبد الصبور شاهين يرجع له الفضل في نقل إنتاجات المفكر الجزائري مالك بن نبي إلى اللغة العربية ناهيك عن كثير من إسهاماته في الثقافة الإسلامية والعربية بشكل عام. ومن ليبيا رحل عنا المفكر والباحث خليفة محمد التليسي يوم 13 يناير من نفس العام عن عمر ناهز 80 سنة، وقد انحصرت اهتمامات الراحل الثقافية في التاريخ والحضارة والدراسات الإسلامية والنقدية والشعر والترجمة، كما رحل أيضا المرجع الشيعي العلامة والفقيه والفيسلسوف آية الله محمد حسين فضل الله صاحب مفهوم دولة الإنسان الذي جلبت عليه الكثير من اللغط والانتقادات من لدن رفاقه كما هي شأن الفتاوى التي كانت تصدر عن مكتبه ومناهج التجديد في الفكر الإسلامي في طبعتها الشيعية، كما رحل عن دنيانا خلال هذا العام، أي عام الحزن، المفكر والمؤرخ العربي الكبير الدكتور عبد العزيز الدوري يوم 19 من شهر نونبر خلال هذا العام، والدكتور عبد العزيز الدوري من مؤسسي جامعة الموصل وجامعات عراقية عريقة، وخلف وراءه مشاريع ثقافية في التاريخ والحضارة.

وحتى لا يزعل علينا إخوتنا في الجزائر، فقد رحل عن دنيانا هذا العام أيضا المفكر محمد أركون الذي دفن بالدار البيضاء كما أوصى هو بنفسه، كما رحل أيضا الروائي الكبير الطاهر وطار يوم 12 غشت مخلفا وراء عددا مهما من الروايات الرائعة نذكر منها: اللاز، وعرس بغل، والزلزال، والشهداء يعودون هذا الأسبوع، والولي الطاهر يعود من مقامه الزكي، والولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء، وكثير من الإسهامات في القصة والرواية والتي ترجمت إلى عشر لغات عالمية، كما ساهم الراحل في تأسيس عدد من الجمعيات الفكرية من أهمها "الجاحظية"

حين أتذكر رحيل هذي الكوكبة من المفكرين والمبدعين المهمومين بثقافة السؤال وسؤال الثقافة، كل من جهته، وكل حسب طاقته، وكل حسب تصوره، بحيث تركوا مشاريع فكرية وثقافية غنية في تنوعها ومتنوعة في غناها المعرفي ... وأرى شباب الأمة والضعف المعرفي القاتل أمام ثقافة خفيفة light ومسطحة وغير مبنية ومؤسسة على أساس معرفي متين أقول مع نفسي كما قال ذاك المثقف السكير حين يسكر : وداعا عقلي !    

أما أنتم أيها الراحلون عن عالمنا النسبي إلى العالم المطلق، فليرحمكم الله جميعا ويغفر لكم، ولا تنسوا أن تسلموا لي على صديقي العزيز الجاحظ,
نورالدين لشهب
Tuesday, December 07, 2010
       عن هيسبريس الاكترونية

ليست هناك تعليقات:

محاضرة طارق السويدان- القيادة و النجاح - بريدة ج 1 من 13

علمتني الحياة 2 - الحلقة الأولى 1 - طارق السويدان 1/4

علمتني الحياة د.طارق السويدان - الحلقة الاولى (1/4)

إضاءات : الدكتور طارق السويدان 1/6

الإداراك 1

اضواء على الأحداث | عبد الباري عطوان

المشاركة في الحياة السياسية 3

المشاركة في الحياة السياسية 2

المشاركة في الحياة السياسية 1

مائدة مستديرة حول مفهوم العمل الجمعوي association MADINATI

جمعية آفاق كوحايز للتنمية - حملة تصحيح النظر.wmv

تلاوة راائعة و جميلة جدا بصوت سعد الغامدي

جمعية آفاق كوحايز للتنمية - مشروع النقل المدرسي.wmv